«بعد مذكرة العشرة انتقلت كل قيادة الحزب إلى الحكومة فأصبح الأمين العام مجرد سكرتير، نحن قبلنا بذلك وكان هذا هو خطؤنا الكبير لأن الذي حدث هو انقلاب بل هو انقلاب عسكري ما كان يجب أن نقبل به».. تلك الكلمات التي عض على إثرها القيادي بالمؤتمر الشعبي د. علي الحاج أصابع الندم والتي وردت في كتاب «الترابي صراع الهُوية والهوى» كانت علامة بارزة تؤكد صعوبة جمع الصف بين المؤتمرين الوطني والشعبي فيما عُرف بالمفاصلة «1999» خاصة أن الحاج قالها بمناسبة مرور عشرة أعوام على المفاصلة.. ثمة أمر آخر يشكل قاسمًا مشتركًا بين غالبية المحللين يؤكد أيضًا صعوبة الجمع بين المعسكرين اللذين اصطُلح على تسميتهما «القصر والمنشية» وهو أن الخلاف بين الطرفين يبدو في كثير من الأحيان حسبما يرى البعض يغلب عليه الطابع الشخصي، ويرى الكثيرون أن المرارات الشخصية والرغبة في الانتقام هي وحدها التي جعلت مهمة رأب الصدع بين المعسكرين مهمة شاقة وعسيرة للغاية أمام أصحاب المبادرات والوسطاء.. تباعد المسافة ورغم تباعد المسافة بين الإسلاميين وتطاير التصريحات في المعسكرين والتي لا تشي باحتمال تقارب إلا أن السائحين «مجموعة من المجاهدين» خلعوا رداء الحزب «لا شعبي ولا وطني» حاولوا كسر طوق الخصومة بين المؤتمرين فسلموا مؤخرًا الأمين العام للشعبي د. حسن الترابي والأمين العام للحركة الإسلامية الزبير أحمد الحسن مبادرة مليئة بأشواق كثير من الإسلاميين بين وطني وشعبي وفئة ثالثة جلهم من المجاهدين تجلس على الرصيف تهدف للم الشمل من خلال ارتكازها على الانطلاق من المرجعية الإسلامية كمرجعية عُليا لمشروع الإصلاح المنشود في المجالات كافة. وحثت على التوصل إلى عقد سياسي عام «دستور»، وتأكيد الدعوة إلى مبدأ حق الشعب في الاستفتاء على ماهية الدستور ونظام الحكم الملائم لأحوال السودان بل إن المبادرة في مجملها تجاوزت الهم الإسلامي إلى الهم القومي بحسب الناطق باسم المجموعة مقدم المبادرة أبوبكر يوسف في حديثه للزميلة «المجهر». الأشواق لا تكفي لكن الأشواق وحدها لا تكفي فجملة من المعطيات لا بد من التطرق إليها قبل تحول تمنيات الإسلاميين بعودة الصفاء بين المشير البشير والترابي إلى حقيقة، فالخصومة بين الطرفين وصلت إلى مرتبة الفجور من خلال تبني الشعبي للخيار العسكري باحتوائه حركة العدل والمساواة بحسب قيادات الوطني وعلى رأسهم الوزير د. أمين حسن عمر بجانب التأييد المبطن من الترابي للمحكمة الدولية علاوة علي انتقاد الشعبيين اللاذع للحكومة التي كانوا جزءًا منها تمشيًا مع المثل» أبو القدح بعرف محل يعضي أخوه» وبالمقابل يشعر الشعبيون بالخديعة على أساس أن المؤتمر الوطني وتحديدًا العسكريين باعدوا بينهم وبين السلطة وسيطروا عليها تمامًا بل واحتووا السياسيين وعلى رأسهم النائب الأول علي عثمان فعندما أراد الترابي إنهاء أجل العسكر كان علي صاحب مقترح ترشيح البشير للرئاسة للظروف التي تمر بها البلاد حينذاك ثم جاء البشير ورد الدين لطه عندما اختاره نائبًا له عقب رحيل النائب الأول الزبير محمد صالح في 1998 مفضلاً إياه على الترابي ود. علي الحاج وكان تلك أبرز علامات اقتراب الفراق. كما أن قيادات الشعبي تلتمس عدم المصداقية في المؤتمر الوطني وترى أن قيادات الأخير استخدموا نفوذ السلطة بالاعتقال المتكرر لهم ولزعيمهم الترابي وأضعفوا حزبهم. غضبة مضرية لكن متغيرات الأحداث والغضبة المضرية لبعض الإسلاميين ومحاولتهم الانقلاب على النظام « مجموعة ود إبراهيم» قد تفتح الباب أمام الجميع لإحداث مراجعات ولم الشمل خاصة أن التربص الخارجي وكذلك الداخلي بالإسلاميين لا يفرق بين وطني وشعبي. لكن المهم أن رغبة التصالح لو لم تأتِ من القيادات في الطرفين خاصة المؤثرة فلن تؤتي أكلها. وقبل ذلك فالطرفان لو حاولا إعادة المياه لمجاريها مطالبين بتقديم التضحيات وما أكثرها من جانب إسلاميي الوطني الذين يملكون السلطة والتي كانت السبب الأول والأخير في ظهور ما عُرف بجناح القصر ومجموعة المنشية. الخضم المستحيل وعلى طريقة المعلق التونسي الشهير الشوالي تبقى فرصة التقارب وفق معطيات الساحة ما بين الوطني والشعبي أو الرئيس البشير والشيخ الترابي خصمًا مستحيلاً لا ترسم على جدرانها ألوان الأمل بصيصًا من بدايات لوحة توافقية عُلِّقت على جدار السياسة السوادنية مطلع التسيعنيات بمقدم مولود اسمه ثورة الإنقاذ الوطني.