ثلاثة سيناريوهات مُحتمَلة أبرزها حكومة انتقالية، تحت مظلة الجيش..هل يخلع البشير العباءة الحزبية ويُبقي على البزَّة العسكريَّة القوميَّة؟..تحوُّلات كبرى في موقف المعارضة... انتقال من إسقاط النظام إلى مصالحة النظام أحمد يوسف التاي طرح تحالف أحزاب المعارضة السودانية قُبيل عيد الفطر المبارك بيومين مبادرة دفع بها مباشرة إلى رئيس الجمهورية المشير عمر البشير دعا فيها للتوافق على تشكيل سلطة انتقالية لتدارك ما أسماه بالمخاطر الكبرى التي تهدد السودان بالتمزق والتفتت والانهيار.. والناظر إلى المبادرة يجد أنها حوت «11» بندًا منها التوافق على وضع انتقالي بسلطة ودستور انتقاليين، وإعلان فوري لوقف إطلاق النار في جميع جبهات القتال، وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين والمحكومين لأسباب سياسية، وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات، والتقيد بممارسة التعددية السياسية والفكرية والثقافية، ومحاكمة منتهكي حقوق الإنسان ومبددي المال العام. واقترحت المبادرة مدة ثلاث سنوات للفترة الانتقالية المفترضة، ومشاركة كل القوى السياسية في إدارة شؤون البلاد، وعقد مؤتمر دستوري لوضع معالجات متفق عليها لكل قضايا البلاد. وطالبت بضرورة تعويض النازحين واللاجئين، والاستجابة للمطالب المشروعة للمناطق المأزومة، ووضع معالجات متفق عليها مع حاملي السلاح، وتأكيد أهمية معالجة كل القضايا العالقة مع دولة الجنوب. وتأتي مبادرة المعارضة بعد أيام قليلة من المبادرة التي دفع بها رئيس الجمهورية إلى القوى السياسية والتي أعلنت المعارضة رفضها لها في الحال... وتزامن مع مبادرة قوى المعارضة مبادرة أخرى دفع بها زعيم حزب الأمة الصادق المهدي رئيس الوزراء السابق للسيد رئيس الجمهورية لتسوية القضايا العالقة وهي القضايا التي تشكل منطقة تنازع واستقطاب حاد بين الحكومة والمعارضة على مدى الخمس والعشرين سنة الماضية، غير أن الصادق المهدى الذي كان يتحدث أثناء خطبة العيد بودنوباوي لم يفصح عن فحوى مبادرته التي أسماها «فكرة» ولم يكشف عن تفاصيلها لكنه أشار إلى أنه تقدم بفكرة مكتوبة للرئيس البشير تتضمن حلولاً للمشكل السياسي القائم، وزاد أن الرئيس البشير إذا ما عمل بمقترحاته التي تضمنتها «الفكرة» سيدخل التاريخ من أوسع الأبواب. دعونا أولاً نقف قليلاً عند مبادرة السيد الصادق المهدي التي لم يُفصح عن تفاصيلها ونلقي نظرة على عبارة المهدي التي أشار فيها إلى أن مبادرته ستكون طوق نجاة وستُدخل الرئيس البشير التاريخ من أوسع الأبواب... وهنا لا بد أن نتساءل ماهي «الفكرة» التي دفع بها السيد الصادق المهدي للرئيس البشير؟ وهل تنبني فكرة المهدي على صفقة سياسية تتضمن التسوية الشاملة مقابل العفو عما سلف؟ وهل خاطبت الفكرة مطالب المعارضة المسلحة أم أنها لبَّت رغبات القوى التقليدية فقط وتجاهلت القوى الحديثة الصاعدة؟... هناك عدة سيناريوهات تحتملها «فكرة» الصادق المهدي التي دفع بها للبشير ولعلنا نستشفها من قوله: «سيدخل التاريخ من أوسع الأبواب» وذلك على النحو التالي: مغادرة البشير الناظر إلى حديث المهدي عن فكرته وكيف أنها ستُدخل الرئيس البشير التاريخ من أوسع الأبواب يُدرك بوضوح أن مركز الفكرة التي لم يُفصح المهدي عنها ربما يقوم على تنحي الرئيس البشير عن السلطة لكن قبل أن يغادر كرسي الرئاسة يقرر إجراء انتخابات عامة ويشكل حكومة قومية انتقالية تكون مهمتها الأساسية هي إدارة العملية الانتخابية على أن يتنازل البشير عن جزء كبير من سلطاته وصلاحياته إلى رئيس وزراء يختاره الرئيس البشير ويمتنع عن ترشيح نفسه في ذات الانتخابات لأن ذلك من شأنه أن يُكسبه احترام كل الشعب السوداني والقوى السياسية والعالم أجمع ولعل هذه ما أشار إليها المهدي بقوله «سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه».. وإذا كانت قوى المعارضة في مبادرتها قد اقترحت محاكمة منتهكي حقوق الإنسان ومبددي المال العام ومحاسبة المفسدين فإن جوهر «فكرة» المهدي ربما يتضمن تجاوز الانتهاكات ومحاسبة المفسدين ومحاكمة النظام على أخطائه السابقة لتمهيد الطريق للتسوية الشاملة... خلع العباءة الحزبية ثمة تفسيرات أخرى ربما يراها بعض المراقبين والمحللين لحديث المهدي وإشارته للرئيس البشير بأنه «سيدخل التاريخ من أوسع الأبواب» إذا ماعمل بنصيحته، من زاوية أخرى وهي أن المهدي ربما اقترح على الرئيس البشير أن يتحول إلى رئيس قومي لكل أهل السودان وأن يتخلى عن أية التزامات حزبية وأن يخلع كل العباءات السياسية التي كان يرتديها ويبقى فقط بعباءة القوات المسلحة بقوميتها وشموليتها ليشعر كل مواطن سوداني وكل حزب سياسي أن الرئيس البشير قائد القوات المسلحة السودانية هو رئيس كل السودان وليس حزب المؤتمر الوطني وحسب... ولتأكيد هذه الخطوة لا بد للرئيس البشير أن يقدم كل المفسدين للمحاكمة الحقيقية ويعلن تبرؤه من الحزبية الضيقة والعمل في فضاء القومية الأوسع باعتبار أن الأوضاع الحالية إذا ما استمرت على هذا النحو من التوترات السياسية وحدَّة الاستقطاب فإن الأمور ستمضي إلى درك سحيق. حكومة توافقية أما القراءة الثالثة لمقترح المهدي للبشير فتشير إلى أنه ربما اقترح الأول للأخير تشكيل حكومة قومية توافقية تستوعب كل القوى السياسية الفاعلة في الساحة السياسية في إطار مصالحة شاملة لا تستثني أحدًا ووفاق وطني كامل يسهم في حل القضايا الخلافية وتسوية النزاعات على أن تستوعب الحكومة الجديدة قيادات الحركات المسلحة في الحكومة الائتلافية المقترحة. مبادرة المعارضة: صحيح أن السيد الصادق المهدي لم يُفصح عن مبادرته التي أسماها «فكرة» ربما لأنه ملّ تكرار مصطلح مبادرة لكن الناظر إلى مبادرة تحالف المعارضة يُدرك أنها لن تكون بعيدة عن «فكرة» المهدي لأن الأفكار التي كان يُفصح عنها الأخير لم تخرج كثيرًا عن مقترحات المعارضة التي تضمنتها مبادرتها المشار إليها، ولعل من الأسباب التي جعلت المهدي يلتقي هذه المرة مع تحالف المعارضة هو أن الأخير لم يطرح مبادرة سوى إسقاط النظام والحديث عن التدابير الخاصة بمرحلة ما بعد إسقاط النظام بخلاف المهدي الذي تعددت مبادراته السياسية للخروج من الأوضاع السياسية المأزومة، ومن الطبيعي أن يلتقي حزب الأمة مع مقترحات المعارضة هذه المرة في منطقة وسطى، خاصة أن نفس المهدي وأفكاره تبدو وأنها «تشتم» في مبادرة المعارضة، حتى لكأن المتعمق فيها لا يخالجه شك في أن الصادق المهدي هو الذي كتبها أو على الأقل شارك فيها بفاعلية أو هي نتاج تلاقح أفكاره مع المعارضة في إطار تنسيق جديد بين تحالف المعارضة وحزب الأمة القومي بعد تثاقل خطوات فاروق أبو عيسى رئيس هيئة تحالف المعارضة الذي كان على خلاف مستمر مع حزب الأمة والصادق المهدي إلى درجة الإساءات الشخصية. تساؤل مشروع وتأسيسًا على ما سبق فإنه من غير المستبعد أن يكون هناك تنسيق بين حزب الأمة وتحالف المعارضة ويظهر ذلك في أسلوب التهدئة التي بدت على تحالف المعارضة وانتقاله السريع من إسقاط النظام عن طريق الثورة الشعبية إلى تقديم المبادرات السلمية والمقترحات الهادئة لتسوية القضايا الخلافية وتهيئة الأجواء لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية والحديث عن حكومة انتقالية تدير العملية الانتخابية... والسؤال الذي يفرض نفسه هنا بقوة هو: لماذا انتقلت المعارضة من اسقاط النظام إلى تقديم مبادرات الحل السياسي؟!.. وللإجابة عن هذا السؤال لا بد من النظر في زاويتين مختلفتين الأولى ننظر من خلالها إلى التطورات السياسية الأخيرة داخل حزب المؤتمر الشعبي لجهة تقاربه مع الحكومة، والثانية ننظر بها إلى حزب الأمة الذي يتبنى مقترحات الحلول السلمية مع النظام، وإن بدا في بعض الأحيان غير ذلك، هذه المعطيات ربما حملت تحالف المعارضة مما تراه الحكومة غلوًا إلى مربع أكثر مرونة، وربما حدث ذلك بسبب تراجع موقف الشعبي، وتقارب «الأمة» مع التحالف في الآونة الأخيرة، ويؤكد ذلك قول المهدي نفسه وسط أنصاره ثاني أيام العيد أن هناك تنسيقًا كاملاً بين كل القوى السياسية، وحديثه أيضًا عن اتصالات يجريها حزبه حاليًا مع كل المكونات السياسية.. وإذا كان التحالف المعارض والمؤتمر الشعبي يرفض الحوار مع الحكومة وينادي بإسقاطها، فإن دعوته إلى الحل السلمي السياسي وتقديم مبادرة قابلة للأخذ والعطاء تعد تنازلاً عن المربع الأول الذي يدعو لإسقاط النظام.