* في اوائل خمسينيات القرن الماضي كنا نعيش في الشمالية الأجواء الخريفية بكل تداعياتها الأتربة والأهوية الهوجاء.. والبرق والرعد والمطر وكانت تلك الأمطار تقوم بأدوار في مجتمع الشمالية الزراعي بالمقام الأول وتحارب الأرضة التي تؤذي عيدان النخيل وتجعلها تتساقط مع الأهوية ولكنها كانت تؤدي الى اخضرار الأرض بالأعشاب وتفتح لنا أبواب الرعي وهي مهمة كنا نؤديها ونحن صغار ولكن تلك الظاهرة اختفت منذ الستينيات ونادرًا ماتهطل امطار هناك حتى استقرت أحوال الناس على عدم وجود الأمطار فاكتست ألوان الجير الحيشان والغرف والديوان.. . وصارت الزخارف تحف جدران المنازل على خلفية الجير الأبيض المستخرج من باطن الأرض. * واذكر بعد فيضان عام 1954م وأنا بعد في مرحلة «المسيد» ودمر الفيضان ذاك بيوت الأهالي خاصة تلك الحلال التي تقع مباشرة بعد المساحات المزروعة حيث كان هناك جسر كبير يحجز مياه الفيضان القادمة من خليج فرعون في رومي البكري المعروف ب «ابقمر» من اتجاه الجنوب للقولد.. قامت الحكومة بتخطيط مدينة جديدة غرب المناطق التي دمرها الفيضان.. فأنشأت السوق الجديد وخلفه حي العباسية ثم حي العوناب والايدية.. وكانت الشوارع والميادين بذات النهج الذي خطط به احياء الامتداد والصحافة.. وترك مكان معروف لم تمتد اليه يد التخطيط باعتباره مجرى سيل سابق.. ولكن بعض المواطنين جاءوا بعد ذلك بفترات وظنوا ان السيل لن يأتي مجددًا واقاموا بيوتًا عليها.. فكان المصير هو الدمار والخسائر.. * ذكرت هذه الوقائع لاقول ان امبدة وخور شمبات شهدتا أحداثًا مؤسفة في الستينيات بسبب السيول المفاجئة والأمطار التي قذفت بالبشر والماشية واثاثات المنازل الى نهر النيل ونحن طلاب بالجامعة اتذكر.. كيف يقبل العقل اليوم ونحن في الألفية الثالثة وقد مرَّت بنا تجارب عديدة مع السيول المفاجئة والأمطار الموسمية ان تقع ذات الأحداث. وبذات الصور والمشاهد الدرامية.. لماذا تسكت سلطات المحلية والتخطيطية عن تلك المباني العشوائية التي تقام بطرق غير صحيحة وغير معقولة في عهدنا هذا.. والذي يمر بامبدة جنوب «شارع النخيل» لا يمكن ان يصدق تلك المشاهد من انماط السكن.. صحيح ان عمليات التخطيط تجري لتحسين البيئة وصورة الإنسان هناك.. ولكن وفي ذات الوقت تجري عمليات البناء العشوائي بوتيرة اسرع واقوى من مسيرة التخطيط، وعلى السلطات المحلية ان تتدارك مثل هذه الامور وتوقف العشوائيات بطرق حازمة وحاسمة حتى لا تأتي المنظمات الدولية التي لا شغل يشغلها إلا السودان.. لتطالب بوقف التكسير والتهجير والتخطيط ليس اشفاقًا على الإنسان السوداني وانما استهداف للسلطات لإشاعة الفوضى وتحريض المجتمع الدولي على بلادنا.