أقدم إلى ساحتكم في هذه الصحيفة السيارة عالمًا من العلماء وهو رجل فريد في نوعه وشجاعته قام مجاهداً في دعوة التوحيد في زمان يصعب فيه الحديث عن التوحيد. وظل مصاحباً لأصحاب الطرق الصوفية يدعو بالتي هي أحسن مناقضاً لهم بقول حسن وأسلوب مريح اسمه الزبير الشيخ الشيخ عبد المحمود، وهو ينطلق من خلفية صوفية ولكن ظل يناهضها بطريقة حسنة علمية يستدل فيها بما جاء (في كتاب الله وسنة رسول الله تركتكم على المحجة البيضاء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم اختصَّه الله بأسلوب حسن في ذلك الزمان الذي تقف الطرق والسبل لتفرق عن سبيله، ولربما يتعرض الداعية في ذلك الزمان إلى الضرب والسجن ولكن أسلوبه الشائق وطريقته في الدعوة: ولا تكن فظاً غليظ القلب فينفضوا من حولك و«ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة» والشيخ الزبير كان ميلاده في قرية نائية اسمها الحوار بحوش بانقا من أعمال مركز شندي، وميلاده في مطلع سنة (1910م)، ولعلَّ قرية الحوار التي وُلد فيها من ناحية سايكولوجية هي جعلته محاوراً بأفضل الأساليب للدعوة، والشيخ الزبير ينتمي إلى قبيلة الكواهلة العربية فرع المرغوماب، درس وحفظ القرآن في مسيد والده الشيخ عبد المحمود بأبو دليق التابعة لأعمال مركز الخرطوم بحري (مديرية الخرطوم في ذلك التاريخ)، أبو دليق النجفة ودرس العلم في المعهد العلمي بأم درمان ثم درس علم الحديث بالمدينة المنورة بلد الرسول صلى الله عليه وسلم ومهبط الوحي بالمملكة السعودية، كان داعياً لله سبحانه وتعالى من المكتبة التي أسسها بمسجد الخرطوم من الناحية الجنوبية للمسجد ملاصقة للمسجد وهي الآن ذات كتب تاريخية ودينية قيمة وازدهرت هذه المكتبة الآن يديرها أبناؤه من بعده.. كان داعياً مع إدارته لهذه المكتبة ينتهز فرصة الأوقات وغيرها ويقف خطيباً شامخاً ذا هيبة وشخصية في مسجد الخرطوم الكبير الذي هو في جواره، ودائماً ما يقف للدرس بعد صلاة العصر، وشاهدته ذات مرَّة وأنا كنت لا أعرف اسمه يتحدث بهدوء ورزانة في المسجد الكبير، ولفت نظري، وكنت في بداية عمري شاباً ألتزم بالتوحيد ولكنني أخفيه لأنني نشأت في منطقة طرق وأخاف على نفسي من الهجوم وأن يصفوني وأنا منهم بأنني بقيت خامسي كما يقولون عن أنصار السنة، ولذلك أعجبني حديثه، وذكر في حديثه منطقتي نهر عطبرة التي أحبها وأناضل في أمرها راجياً أن تهتدي للطريق القويم، وبدون شعور وقفت وهو يتحدث قائلاً: حياك الله من عالم متحدث بالتوحيد، وللشيخ الزبير عدة مؤلفات في العقيدة وفي مديح الرسول المعتدل المناسب مع السنة.. وله علاقات بالعلماء والمملكة العربية السعودية وله علاقة خاصة مع سفير المملكة السعودية الشيخ العبيكان آنذاك، وله علاقة حميمة مع كل الأحزاب والطوائف يأتون إلى دروسه مستمعين وتابعين لأسلوبه الحكيم وكان داعياً متجولاً بمساجد العاصمة، ويذهب إلى جامع عبد المنعم بالخرطوم ثلاثة ويقدم دروساً بعد صلاة المغرب ويلتف حوله كل ناس الطوائف والطرق، يستمعون إلى قوله ودعوته بالتي هي أحسن.. وله دروس منتظمة يقدمها بالسجون يخص بها المساجين بالعاصمة وغيرها.. ثم سافر للجنوب داعياً مع قاضي قضاة السودان في ذلك التاريخ الشيخ محجوب عثمان إسحاق المشهور وافتتح معه عدة مساجد بالجنوب ومكث بالجنوب عدة شهور يدعو لله سبحانه وتعالى.. وكان ناصحاً شجاعاً للحكام والمسؤولين وله دار فيحاء أطلق عليها دار الحديث النبوي.. وكان يرتاده كل الدعاة الوافدين للسودان من الخارج في سبيل الدعوة وتزامن في بداية دعوته مع الشيخ أحمد حسون وكان هناك تشابه بينهما في أسلوب الدعوة وسافر الشيخ أحمد حسون في سبيل الدعوة محاضراً وواعظاً بالحرمين ثم رحل إلى أمريكا داعياً وأسلم على يديه كثير من الخواجات ورحل الشيخ الزبير مخلفاً وراءه علماً يُنتفع به وعملاً وأبناء بررة من أسرته من أهل العلم والقرآن، وترك هذه المكتبة التراثية العامرة بكتب المعرفة الدينية والتاريخية يديرها من بعده الشيخ عبد المحمود الشيخ الدسوقي الذي يحافظ على تاريخ الشيخ الزبير ومواقفه وهو الذي أمدني بهذه المعلومات بعد أن عرف رغبتي في الكتابة مؤرخاً للشيخ، ودُفن شيخ الزبير بمقابر الشيخ حمد ببحري جوار قبر والده الشيخ عبد المحمود، عليك الرحمة والرضوان بقدر ما قدَّمت من دعوة ووعظ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يسكنه فسيح جناته، إنه سميع مجيب.