ورد في كتاب «قطر الندى وبل الصدى» مثال لأسوأ الأنواع من الشعر وكان من بينها قصيدة لشاعر يقول مطلعها «الذباب على الكباب يا ليتني كنت ذباب».. ثم إن السيد وزير خارجية مصر العربية «المؤقت» «والذي عيَّنه وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي وعيَّن معه رئيس الجمهورية المصري المؤقت وعيَّن معه رئيس الوزراء المؤقَّت وعيَّن معه كل الوزراء المؤقتين» كان قد زار السودان في الأسبوع الماضي.. واختلف الكثيرون في أسباب الزيارة ومخرجاتها فمن قائل إن الرجل قد جاءنا بحكم أننا الأقرب «جغرافياً».. ومن قائل إن الرجل كان يبحث عن «وساطات» لتقريب وجهات النظر بين حكومة السيسي و«إخوان» مصر.. بحكم أن «إخوان السودان» ربما كانوا الأقرب إلى القيام بهذه المهمة.. وقد اشتهر يوم زيارة وزير الخارجية المؤقت بيوم الذبابة حيث كانت هناك «ذبابة» تطن وتطير وتقع وتقوم على وجه الوزير وعلى أنفه وعلى أذنيه.. والرجل «يسكها» مرة بيده ومرة بتقطيب وجهه وأخرى بتحريك رأسه.. ولكن الذبابة تأبى أن «تفوت» وتوترت الأجواء بسبب هذه الذبابة. ويصادف يوم زيارة الوزير نزول الأمطار في الليلة السابقة وما سبقها من أيام طفحت فيها «مصارف» الخرطوم وهدرت السيول بغزارة.. وغرقت كثير من ولايات البلاد في وحل الفيضانات ومن بينها ولاية الخرطوم التي تعرض بعضُ ساكنيها إلى تهدُّم منازلهم الواقعة في المنخفضات ومجاري السيول.. وأدى تراكم المياه وركودها إلى توالد الذباب بكميات كبيرة حيث لا يحتاج الذباب إلى أكثر من خمسة أيام ليتوالد. والذبابة يمكن أن تضع عشرة آلاف بيضة في «الولدة» الواحدة.. وتمتلئ أجواء المناطق الممطرة مثل القضارف وسنار والدمازين بالذباب للدرجة التي تجبر «الأهالي» على تخصيص زول من المشاركين في الأكل لهشّ الذباب.. وقد يحتاج الأمر لاحقاً إلى مكافحة الذباب بالرش الجوي والأرضي والذي يبدو أن ولاية الخرطوم بالذات تعطيه أهمية قصوى هذه الأيام.. و«أهلكم» الجنوبيون تعودوا أن يوقدوا النيران ويطلقوا الدخان لمكافحة الذباب وبعضهم يتمسح بالروث للوقاية. وعلى عهد الرئيس نميري رحمه الله كان سيادته يلقي خطاباً شهرياً على كل المواطنين ويسمى البرنامج «بين الشعب والقائد».. ولم يكن للتلفزيون أجهزة متقدمة في ذلك الحين والحلقات تُبث على الهواء مباشرة.. ويبدو أن ذبابة مثل ذبابة وزير الخارجية المصري كانت تضايق الرئيس أثناء إذاعته للبيان والذي كان يستغرق ساعة كاملة.. والرئيس يهش على الذبابة والذبابة تقوم وتقع «وترك تاني».. وأخيراً طارت من أمامه فلحقها «بالبونية» محاولاً ضربها بيده مما أدى إلى سقوط الطاولة وتشتيت أوراق الخطاب الشهري... وكثير من المذيعين والمذيعات في التلفزيون بالذات يكونون عرضة للذباب الذي يستمتع بالجلوس على أنوفهم وجباههم وقد يحاول الدخول إلى أفواههم. ولعلنا هنا نذكر قرية «أم ضبان» وفيها شيوخنا الأفاضل «البادراب» ونفيد بأن الضبان الذي سُمِّيت عليه هذه القرية ليس هو الذباب المنزلي.. وإنما هو ذباب النحل الذي ينتج العسل.. ونظراً لأن هذه المنطقة كانت في السابق مسكونة بالأشجار الكثيفة التي تأوي إليها خلايا النحل فقد عرفها الناس على أساس أنها «أم ضبان» وعلى الرغم من ذلك فقد برز الاتجاه على أيام الرئيس نميري إلى تغيير اسمها إلى «أم ضوَّاً بان» بدلاً من أم ضبان.. مثلما تم تغيير اسم «عد الغنم» إلى عد الفرسان وقرية أضان حمار إلى الفردوس. ولأن الشيء بالشيء يُذكر فلا بد أن نشير إلى أن الثقافة السودانيَّة قد عرفت «حجوة ام ضبيبينة» .. وهو نوع من «الثقالة» يمارسه البعض على الآخرين مثل ثقالة ناس المعارضة على ناس الحكومة... فمثلاً يسألك أحدهم «عارف حجوة أم ضبيبينة» فإن قلت لا قال لك «الناس بقولوا لا؟» وإن قلت نعم قال «الناس بقولوا نعم؟» وأن سكت قال «الناس بسكتوا» وهكذا يتثاقل عليك الطرف الآخر حتى «يزهجك». على كل حال سمعنا أول الأمس أن أحد كبار المسؤولين عن النواحي الصحية وهو يرد على بعض المشتكين من «الضبان» قائلاً إن الذباب عبارة عن حشرات أليفة غير ضارة وأنها لا تنقل الأمراض.. ولا أدري من أين جاء بهذه المعلومة.. علماً بأن الضبان ينقل أمراض الدسنتاريا والنزلات المعوية والتايفويد والكوليرا.. والمطلوب يا جماعة أن نقوم بعمليات الرش عاجلاً وفي هذه الأيام بالذات حتى نتخلص من الذباب.. وبهذه المناسبة فإن كل منزل يمكن أن تعيش فيه مائة ألف ذبابة وكل ذبابة يمكن أن تلد عشرة آلاف بيضة ويفقس البيض خلال خمسة أيام ولا تزيد فترة حياة الذبابة عن عشرة يوم... وعلى القارئ أن يقوم بتعداد الذباب في منزلهم بضرب عدد «مائة ألف * عشرة ألف بيضة * عشرة أيام * ثلاثين يوماً * اثني عشر شهراً» ليعرف حجم الذباب السنوي في منزلهم العامر.