ذكرت إحصاءات لليونيسيف أن حروب العالم قتلت مليون طفل ويتمت مثلهم، وأصابت 4.5 مليون بالإعاقة، وشردت 12 مليونًا وعرَّضت 10 ملايين للاكتئاب ونالت الصدمات النفسية الحظ الاوفر من هذه الأرقام في البلدان العربية. ويركز علماء النفس والتربويون على الصدمة كأكثر الآثار السلبية للحروب انتشارًا بين الأطفال فغالبًا ما يصاحب الصدمة خوف مزمن يصل الى درجة التبول اللاإرادي والخوف من الأحداث والأشخاص... «البيت الكبير» وضع القضية على طاولة اهل الاختصاص لمعرفة تأثير تلك النزاعات على الأطفال فماذا قالوا.... معاناة لا تتوقف يؤكد الاستاذ مصعب مامون «موظف» ان توصيل الأحاسيس واحدة من الأشياء التي يصعب على الأطفال التعبير عنها والحالة النفسية التي يمرون ويختزلونها في عقولهم الصغيرة تظل عالقة في اذهانهم وتكبر معهم وربما تؤدي إلى مشكلات نفسية عميقة فمعاناة الأطفال من الحروب لا تتوقف بتوقف الحروب بل تصاحبهم إلى مراحل متقدمة من أعمارهم خاصة إذا لم يتمكن الأهل أو البيئة المحيطة بهم من احتواء هذه الحالات ومساعدة الطفل على تجاوزها، والمؤسف اننا هنا لا نضع اعتبارًا لمثل هذه الحالات التي يمر بها ابناؤنا فربما يعود ذلك لعدم انتشار ثقافة التعامل مع الاطباء النفسيين، ويجزم مصعب ان الأطفال المشاركين في الحروب هم الأكثر تأثرًا بالصدمات النفسية، ويقول: في ذاكرتي الاطفال الذين شاركوا في الهجوم على ام درمان بقيادة المتمرد خليل فمعظهم كانوا اطفالاً اقتادوهم بالقوة من احضان امهاتهم الى ادغال الحروب ومناظر الدماء والقتل. الصدمة فيما تقول اسماء عباس «طالبة» ان مايدور اليوم في العالم كنموذج للنزاعات الدامية اكبر دليل ومرآة تعكس حجم المعاناة التي يعيشها الاطفال، فالمشاهد التي عرضها التلفزيون لاطفال يموتون في احضان امهاتهم كانت مناظر تدمي القلب بالنسبة لنا، فالأطفال الذين عاشوا في مواقع الحرب أو شاهدوا الحرب بشكل واقعي يعيشون لفترة طويلة الصدمة وتتكرر عندهم المشاهد الدامية والتي تؤدي إلى ظهور الهلاويس والنوبات الهستيرية والقلق والتوتر. فالآثار السلبية لتلك المشاهد لا تنتهي بنهاية الطفولة بل تشكل منظارًا يرى الطفل من خلاله مستقبله ولأن الأطفال لا يفهمون الاسباب التي تقود الى الحرب كما يفعل الكبار فإنهم لا يجدون طريقًا أمامهم للتعبير عن تأثرهم بما يعانون ويعايشون ولا يحصدون من تلك الحرب إلا الانطواء والتوجس والعدوانية. الضحايا الأكثر ويرى عثمان حسن «موظف» ان الأطفال هم من أول واكثر الضحايا في النزاعات المسلحة ويرجع ذلك لعجزهم عن الدفاع عن انفسهم بجانب قلة الخبرة على المواجهة والمقاومة لما يتعرضون له من خطر ورعب إذ إنهم يتعرضون لظروف لم يسبق أن استعدوا ولم يتهيأوا لها بحكم افتقارهم إلى القدرات المعرفية التي تمكنهم من استيعاب ما يتعرضون له من أخطار وخبرات صادمة ومن تلبية حاجاتهم بأنفسهم ومن حماية، في اعتقادي أن آثار الحرب النفسية على الأطفال تعد واحدة من الأولويات التي ينبغي أن تنال الاهتمام وسط شريحة المتخصصين. شيء من الإيجابية بينما ترى مها عبد الله القضية من زاوية أ،خرى تقول ان التأثير السلبي لأجواء الحروب على الأطفال أمر مسلم به لدى كل الاتفاقيات الدولية الخاصة بشأن الاطفال و لكن اذا نظرنا الى القضية من زاوية اخرى فهناك من يرى في تلك الأجواء شيئًا من الإيجابية فالجيل الذي يعيش تلك المعاناة يمكن ان تسهم تلك الحروب في تكوين شخصية اكثر قوة وقدرة على التحمل بشرط أن يكون وراء هؤلاء الصغار أسر تقف الى جانبهم وعرضهم على اطباء نفسيين ليشرحوا لهم ما وراء مشاهد الحرب التي يعايشونها وانها فترة يتحتم عليهم تجاوزها بكل سهولة بقدر من الصبر وهذا ماتفتقده الدول العربية خاصة. خبرة مؤلمة د. نجدة محمد ابراهيم اختصاصية علم النفس تناولت القضية من تخصصها موضحة ان فترة الطفولة من اكثر المراحل التي يكتسب فيها الطفل الخبرات لانه يتعلم عن طريق الملاحظة بصورة اكبر وتكمن الخطورة في انه خلال تلك المرحلة اي موقف مؤلم يتعرض له يمثل لديه خبرة مؤلمة وذلك لعدم اكتمال آليات الدفاع في داخله وعدم مقدرته على الموازنة عكس الشخصية الناضجة وهي لا تمر بسلام في الغالب فقد تظهر في شكل كوابيس رعب وتبول لا ارادي وتوتر وقلق وتقليم للاظافر اضافة الى العصبية والعدوانية ويمكن ان تستمر معه هذه الحالة الى مرحلة الشباب اذا لم يصل الى مرحلة الاستقرار النفسي والراحة النفسية فاذا اخذنا مثلاً اطفال فلسطين نجدهم ينشأون وهم يتجنبون الآخر ويفتقرون الى تكوين علاقات انسانية طويلة فالنزاع في الاصل حالة من عدم الامن والاطمئنان.