حمّل زعيم الحزب الشيوعي السوداني محمد إبراهيم نقد الأحزاب السياسية ورجال الأعمال والبنوك مسؤولية غلاء الأسعار والضائقة المعيشية وارتفاع سعر الدولار، وقال في حوار أجرته معه «الإنتباهة» إن الحكومة وحدها لا تتحمّل المسؤولية عن هذا الوضع، وفتح نقد النار على من سمّاهم بأثرياء السودان الجدد الذين دخلوا الحكومة موظفين فقراء وتحولوا إلى أثرياء بسبب نشاطهم المرتبط بالفساد، وقال نقد إن حزبه والأحزاب المعارضة لا تتحمل نتائج ومآلات «نيفاشا» مشيراً إلى أن حوارهم مع الحكومة انقطع من جانب المؤتمر الوطني وأن الأخير لم يقدِّم لهم دعوة للمشاركة وأنهم لم يطلبوا ذلك.. وهاجم نقد السياسات الاقتصادية الحكومية، واتهم بعض الحكام بالتغاضي عن بعض الأطراف في السوق لمصالح مشتركة.. نقد تناول أيضًا في هذا الحوار جملة من القضايا فإلى تفاصيلها: الحزب الشيوعي يعمل في الخفاء ويؤلِّب الشارع سراً ويحاول استخدام تحريك الشارع دون ضوضاء.. بم ترد على هذا الاتهام؟ أنا أرفض ذلك؛ لأن الذي يحرِّك الشارع هو سياسات الحكومة وليس الحزب الشيوعي، وسياسات الحكومة هي التي تدفع الشارع إلى التظاهر والاحتجاج، والحزب لا يرفع الأسعار ولا يشرِّد العاملين، والحكومة هي التي تفعل ذلك، ونجد أنه في أيام الإنجليز وباستمرار يلقون هذه المسؤولية على الحزب الشيوعي، والآن الإنجليز ذهبوا، ونظام عبود ذهب، كذلك نميري، وحكومات الأحزاب، وسوف تذهب أيضًا الإنقاذ، لكن الحزب الشيوعي مازال موجودًا ومهما تعاقبت الحكومات فسوف يكون الحزب الشيوعي موجودًا. الحديث عن الفساد تصاعد مع تصاعد الثورات العربية ولكنه جعجعة من دون طحين.. فما قولك؟ الظاهرة المشتركة أن بعض الشخصيات المعروفة شخصيات متوسطة الحال أو فقيرة عندما تصل إلى جهاز الدولة أو السلطة يتغير وضعها الاقتصادي، إذاً السبب ليس نشاطًا في الحزب وليس ما قسمه الله عليهم وإنما هو نشاطهم المرتبط بالفساد واستغلال سياسات الدولة، ونجد أن الناس في الشارع لا يحتجون على ثراء آل عبد المنعم أو آل النفيدي لكن يحتجون على الموظفين الذين دخلوا السلطة وهم موظفون أو ضباط جيش وخرجوا من الجانب الآخر أثرياء، هذا الثراء يرتبط باستغلال جهود الدولة، هذا هو سبب احتجاج الناس على الأثرياء الجدد مثلاً: الناس لا يحتجون على ود الجبل لأن الناس يعرفون تاريخ عمله لكن من كان فقيراً ثم أصبح وزيراً وخرج للناس غنيًا وله أموال في البنوك هذا هو مثار الاحتجاج، ودائماً الذين يصبحون أغنياء من الحكومة يكون لهم تسهيلات من البنوك ولهم ديون من البنوك ولا محاسبة على ذلك. في رأيك لماذا تخاف الحديث عن تكوين مفوضية لمحاربة الفساد؟ المثل يقول (حاميها حراميها) توجد بيوت في السودان عملت في التجارة والزراعة والثروة الحيوانية وكونت ثروات، وهؤلاء معروفون للناس ويُسهمون في عمل الخير من تبرعات للمدارس وبناء للمساجد وبيوتهم مفتوحة للناس، لكن الاحتجاج على الذين كانوا فقراء وعندما دخلوا جهاز الدولة أصبحوا أثرياء، والواضح أن مصدر ثرائهم هو منصبهم في جهاز الدولة. الضائقة الاقتصادية الضاربة الآن وارتفاع الدولار إلى ماذا تعزو ذلك؟ توجد بعض الإجراءات من المفترض أن يتخذها بنك السودان بغض النظر عن سياسات الحكومة، فالبنوك حسب ما نعلم لديها استقلال ذاتي في تداول وتحريك العملة ورأس المال، فلماذا صمتت البنوك حتى وصلت إلى هذه الحالة؟! وهذا الموضوع لا يرجع إلى الحكومة وحدها، فالأحزاب السياسية لها دور، ورجال الأعمال لهم دور، والبنوك أيضًا لها دور، فلماذا تركوا الحبل على الغارب؟ وهذا لا يعني أنني أبرئ الحكومة، فالحكومة غارقة في الفساد، وأكبر مجال للفساد هو القطاع العام سواء كان إدارة القطاع العام وبنوك القطاع العام وميزانية القطاع العام وممتلكات القطاع العام، فأين دورها الآن؟! فالأحزاب السياسية لها دور ودائمًا ما تشنُّ حملة على هذا الموضوع وتهاجم القطاع العام فهذا لا يمثل حسداً أو عدم احترام لكن لأن الفساد البوتقة الأساسية له هي القطاع العام والبنوك والمصلحة المشتركة بينه وبين السوق أو بين كبار الموظفين والتجار. ما هو موقفكم من الصراع الدائر الآن في جنوب كردفان والنيل الأزرق؟؟ ليس هذا جديدًا ولكن حدث تفاقم في الصراع، وموقفنا نحن مثلاً أنه منذ أن نشأ في مشكلة دارفور شكّلنا مع أحزاب أخرى منبر الدفاع عن دارفور، وما زال يواصل عمله، أما بالنسبة للنيل الأزرق فقد أسهمنا في الاحتفال الذي أقامته حكومة عقار قبل عام ونصف العام شاركنا فيه بحماس ومسؤولية لأن هذه المنطقة أسهمت في تاريخ السودان منذ أيام المهدية والحركة الوطنية وأكتوبر وفي الانتفاضة والاقتصاد الوطني، ولها تاريخ قبل دخول الإنجليز، وهي تعتبر من المناطق التي شُكِّلت بها سلطة سودانية مستقلة قبل التركية والاستعمار، والآن الحكومة تنبأت، فهذا ليس حرصاً على محاربة الفساد ولكنه امتداد للصراع بين الوطني والحركة الشعبية ولأنهم لا يستطيعون أن يواجهوا الحركة الشعبية في الجنوب لذلك لا يواجهون الحركة في الجنوب، والآن الحكومة غارقة في الفساد وصعب جداً على متهم بالفساد أن يحاكم متهماً أو يتهم شخصًا بذلك. هل نفهم من ذلك فشل اتفاقية نيفاشا؟ هي لم تفشل لكن تنفيذها متعثر ولكن فشلت العلاقة بين الطرفين وعليهما تحمُّل المسؤولية، فنحن لن نشارك معهم ولم نوقِّع على هذه الاتفاقية، لكن الذي يهمنا هو مصلحة البلد قبل هذه الحكومة وبعدها، وما زالت أمامهم فرصة لكي يحكِّموا صوت العقل ويشعروا بمسؤولية حكام أمام هذا الشعب الطيب ويحلوا المشكلات التي بينهم. حواركم مع الحكومة كيف كانت بدايته وأين يتجه الآن؟ بدأنا الحوار مع الحكومة ولكنه الآن توقف، فالحكومة هي التي دعت للحوار، ونحن استجبنا لها وقلنا رأينا وتوقف الأمر عند هذا الحد. لكن أين وصلتم؟ قدمنا مقترحات لها أكثر من سنة لم يردوا عليها ولم يدعونا مرة ثانية، فهم وجهوا الدعوة فاستجبنا لهم وبدأت محادثات في دار الحزب وأحيانًا عندهم، توصلنا في النهاية إلى اتفاق عام مثلنا مثل الأحزاب الأخرى، بعد ذلك من المفترض أن تُصدر الحكومة بيانًا عامًا لكن لم يحدث ذلك فالحكومة بدأت الحوار ثم توقف الحوار بعد ذلك. ما هي مطالبكم في هذا الحوار؟ مطالبنا كانت عن موضوع الديمقراطية وحقوق الإنسان والمشردين والحرب الأهلية في الجنوب ومواصلة تنفيذ اتفاقية الجنوب، كذلك إيقاف الصراع في دارفور والانتباه إلى قضايا الشرق ومشكلات المعيشة والتعليم والصحة فليس لدينا مطالب خاصة ومطالبنا جميعها مطالب وطنية. إذن ما هي شروطكم للحوار؟ لا توجد لدينا أي شروط، فنحن توصلنا معهم إلى كلام ولم يأتوا إلينا مرة ثانية، فهم الذين طلبوا الحوار في البداية معنا ومع أحزاب أخرى وتمت بعض اللقاءات لكن توقفت من جانبهم. موقفكم من المشاركة في الحكومة ضبابي وغير واضح؟ نحن لم نقل سوف نشارك في الحكومة، نحن فقط نشارك في الانتخابات سواء كانت انتخابات نقابة أو برلمان وأصلاً لم يدعونا للمشاركة في الحكم ونحن لم نطلب ذلك. كيف ينظر نقد إلى طاحونة الغلاء وارتفاع الأسعار؟ هذا عيب سياسي وطني لأن السودان إمكاناته معروفة، وبالرغم من ذلك حدث غلاء ومجاعات، ففي هذه المرحلة الحديث لا يفيد، فإما أن نعمل في صمت لحل هذه المشكلة أو أن نصمت، فعندما تأتي مشكلة حول الغلاء فيجب أن نُطلع الشارع ولا نحلِّل في الجرائد، فحالة الغلاء هي انعكاس لفشل السياسات الاقتصادية التي في يد الحكومة. لكن التغيير الاقتصادي للظاهرة هل هو نتيجة لسياسات الحكومة أم هو جزء من الأزمة العالمية؟ في رأيي أن التغيير الاقتصادي واجب ويجب أن تطرح سياسة للتغيير الاقتصادي ويجب أن يسبق ذلك شرطان: الشرط الأول تقديم تقرير موضوعي واضح من الوزارات الاقتصادية: وزارة المالية، والتجارة، والبنوك، عن حالة الاقتصاد اليوم بكل أطرافه من زراعة وتجارة ومستوى معيشة وإمكانات البلاد المتاحة لاتخاذ إجراءات في حدود الممكن ولا تكون هناك أشياء خيالية وأنا لا أشك إطلاقًا في قدرات المسؤولين في المؤسسات الاقتصادية والبنوك والسياسة العامة لكن العيب في قيادة جهاز الدولة فهي قيادة سياسية تصدر القرارات والقوانين، والعجز يكمن في عدم اتخاذ القرارات الحاسمة، وأنا لا أعتقد أن السبب هو عدم المعرفة، ولكن المصالح المشتركة بين بعض الحاكمين مع مصالح الأطراف التي يزداد ثراؤها في السوق، يعني توجد مصالح مشتركة بين ناس في السوق وناس في الدولة وليس العرض والطلب، وما لم يحصل ضغط سياسي منظم على السلطة لن يحدث تحسين على المستوى المعيشي للأسعار. يبدو واضحًا أن المعارضة تعوِّل على حالة الغلاء وارتفاع الأسعار لتحريك الشارع.. إلى أي مدى يصح ذلك؟ المعارضة ليست نقابات، هذا كلام غير واضح وغير صحيح، النقابات هي التي تتولى موضوع مستوى المعيشة، نحن كأحزاب سياسية في المعارضة نتحدث عن السياسات الاقتصادية التي ينتج عنها غلاء الأسعار. المعارضة يؤخذ عليها أسلوب الانتهازية في توظيف الشارع لاستغلال الأزمة؟ هذا واجبنا وعملنا، فالأحزاب والتنظيمات والاتحادات والنقابات واجبها أن تدافع عن حقوق الناس، فهذه ليست انتهازية وإنما واجب في كل الحكومات، وطالما يوجد غلاء فالأحزاب السياسية واجبها أن تحتج، وأنا في رأيي نحن كأحزاب مقصرون، فمن المفترض أن نقوم بمظاهرات واضطرابات بصورة أعنف من ذلك فنحن كأحزاب مقصرون في الصراع السياسي ضد الغلاء وتحريك الشارع ضده. إذا نجح الشارع في تغيير الوضع يُتوقع أن تسرق المعارضة بانتهازية مكاسبه وتُلقي بها في البحر باعتبار أنها معارضة هشّة وغير قادرة على الفعل السياسي.. بم تعلق على ذلك؟ هذا السؤال لا يستحق الرد، إذا كانت المعارضة هشّة تتهمني بالهشاشة وتطلب مني مواقف بطولية فأنا عضو حزب وحزبنا جزء من الأحزاب السياسية السودانية بشرِّها وخيرها وإيجابياتها وسلبياتها، لا أترفّع عليها ولا أدّعي أن تكون الأحزاب سيئة، لكن ما أستطيع أن أفعله أعمله. كيف تنظر إلى مفاوضات الدوحة الحالية وهل هي كافية لحل أزمة الإقليم؟ المحادثات التي تمت في الدوحة خطوة لكن يجب أن تتبعها خطوات أخرى، فنحن لم نشارك في هذه المفاوضات والحكومة لم تدعُنا للمشاركة، فهي مفاوضات فقط بين الحكومة وحركة التحرير والعدالة مثلها مثل اتفاقية أبوجا والشرق، فهذا ليس بجديد على المعارضة، فمثلاً نميري عندما وقَّع اتفاقية أديس أبابا مع الجنوب لم يشرك الأحزاب الأخرى وتوجد واحدة من الأغاني التي كان يغنيها الفنان الكابلي: قلنا لمن عزلنا نحن هنا انعزلنا بعدنا عن المظنّا..