من منصة التاريخ يبدأ الاستثمار السوداني في الغرب الإفريقي داكار:الصادق الرزيقي الروابط التاريخية الضاربة بجذورها في تراب الزمن بين السودان وغرب إفريقيا، ربما تكون هي التي عززت هذا الحاضر المشرق ودفعت بقرار استراتيجي بالذهاب إلى هذه المناطق للاستثمار فيها، وسبقت مجموعة سوداتل الجميع إلى ارتياد هذا الأفق الذي ظل كنزاً منسياً، لقرون طويلة. كل هذه الامتدادات في الجغرافيا والتاريخ ظلت نابضة بالحياة ومنطقة غرب إفريقيا ترنو بأبصارها وبصائرها وتهفو قلوب شعوبها نحو السودان منذ قديم العهد، لعوامل مختلفة أهمها الإسلام الذي دخل فجاج إفريقيا من عدة قرون وتوغل واستوطن فيها وصاغ الحياة هناك.. وكانت قوافل الحج في طريق الحج المشهور تتجمع من موريتانيا وقامبيا والسنغال ومالي ونيجيريا وبوركينا فاسو وبنين والتوغو وغينيا كوناكري وغينيا بيساو وساحل العاج والرأس الأخضر والكاميرون والغابون وسيراليون والنيجر وتشاد، لتعبر جنوب الصحراء الكبرى نحو الحجاز مروراً بالسودان. من عجائب التاريخ كما يقول البروفيسور الأمين أبو منقة المنقب في تاريخ المنطقة وشعوبها، إن مسلمي غرب إفريقيا حتى وقت قريب وربما لا مازالوا يحسبون أن السودان جزء من أراضي الحجاز، ولذا يختار كثير منهم أرضه لسكنهم واستقرارهم حتى يكونوا قريبين من أرض الحرمين.. وذلك تاريخ طويل وقصص يجب أن يعكف عليها البحاثة والدارسون لتروى ويكشف عنها الكثير ويفض غلافها. وطيلة القرون التي انصرمت وقيام ممالك وسلطنات عريقة في وسط وغرب إفريقيا، لم تنفصم العلاقات مع السودان، وتوطدت بقيام مدن العلم والفقه مثل تمبكتو في مالي ومايدوغري وكانو في نيجيريا وكولخ وطوبا في السنغال وفي مناطق أخرى.. وربطت الطرق الصوفية وخاصة التجانية والقادرية مسلمي غرب إفريقيا بالسودان، وصاروا مع أهله جسداً واحداً إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. ومن المعروف أن الساحل الغربي في إفريقيا ذا الأغلبية المسلمة تعرض لأبشع صنوف الاستعمار الأوروبي منذ القرن الخامس عشر الميلادي، وكانت تجارة الرقيق واختطاف ما يسمى العبيد إلى الدنيا الجديدة في أمريكا قوامها المختطفون من القبائل المسلمة في هذه المنطقة، وتعود أصول الأمريكيين السود والملونين إلى هذه المجموعات السكانية المسلمة، ولا يتجادل في ذلك اثنان ولا تنتطح عنزان. وفي فترات النضال ضد الاستعمار، كانت كل إفريقيا وحركات التحرر فيها سيما غربها مرتبطة بالسودان، وهو أكبر نصير وداعم وموئل، وكانت المنطقة كلها من بلادنا حتى اصطدام الأقدام بموج المحيط الأطلنطي تسمى السودان الفرنسي، ولو لم ينل السودان شرف أنه أول دول إفريقية جنوب الصحراء نالت استقلالها، لكان هذا الاسم قد أخذته دول غيرنا وتسمت به مثل مالي التي مازالت جوازات سفر بعض أبنائها من الأجيال التي عاصرت تلك الفترة مكتوباً عليها في خانة مكان الميلاد «السودان الفرنسي». استثمارالجذر التاريخي: كما يقول المهندس إيهاب إبراهيم عثمان الرئيس التنفيذي ومدير عام مجموعة سوداتل، فإن التفكير في توسعة استثمارات الشركة في 2006م في إفريقيا واختيار غانا والسنغال وغينيا كوناكري وموريتانيا، يعود في الأساس لعامل مهم للغاية، وهو أن السودان لديه أقدام راسخة وصورة محفورة لدى شعوب هذه الدول، وهو ما شجع على هذه الخطوة التي أتت اكلها. ويضيف السيد العبيد محمد العبيد رحمة سفير السودان لدى السنغال وقامبيا وغينيا بيساو وغينيا كوناكري والرأس الاخضر وسيراليون وبوركينا فاسو ، أن العلاقة بين السودان وغرب إفريقيا هي أصدق تعبير عن تجليات التاريخ القديم وهبة الجغرافيا التي صنعت التواصل وجعلت الامتدادات تنداح بلا قيود، ويحظى السودان بوصفه بلداً إفريقياً وشعباً باحترام كبير لا يصدق لدى السنغاليين وشعوب البلدان الأخرى. بالعين المجردة في السنغال: أول ما يدهشك في هذا البلد أن الشعب المسلم شديد التمسك والاعتداد بإسلامه، الرجل في مواقع العمل والسيارة وفي الطريق والأسواق وملاعب الرياضة لا ينسى دينه ولا مسبحته التي يكرها مسبحاً الله تعالى وعلا.. ولاحظنا في مقر شركة إكسبريسو عادة توجد لدى كل سنغالية مسلمة حتى لو كانت متبرجة، عندما يحين وقت الصلاة تخرج قطعة قماش في حجم غطاء السرير وخماراً أو طرحة تستر جسدها وشعر رأسها لتؤدي الصلاة. وتنتشر المساجد في العاصمة السنغالية داكار بشكل لافت، وتتعدد الطوائف والجماعات الإسلامية من أهل السنة والجماعة والسلفيين والطرق الصوفية، والكل يحب أن يقري أخاه السلام بعباراته العربية رغم عدم إلمام الكثير منهم باللغة العربية، فقد شوه الاستعمار الفرنسي اللسان في غرب إفريقيا بفرض لغته ومحاربة الإسلام والثقافة العربية. وتضم شركة إكسبريسو المملوكة لسوداتل، مئات الموظفين والعاملين والوكلاء من أبناء الشعب السنغالي وهم مهندسون وفنيون ومحاسبون وإداريون وموزعون وغيرهم، ويشعرون بامتنان عميق للسودان وأهله في هذا لاستثمار الناجح، واستطاعت الشركة منذ إطلاق خدمتها الاندماج في الحياة السنغالية بشكل كبير، في جودة الخدمة التي تقدمها والتنقية الحديثة التي أدخلتها، ولا تنفصل كل الخدمات المرتبطة بعالم الاتصالات من بنوك وجامعات وقطاعات حيوية كالطيران والصناعة والتجارة وكل الخدمات عن شركة إكسبريسو التي نالت ثقة قوية وواسعة لدى المواطن السنغالي وصارت عنواناً للنجاح والتطور، ويتخذ الكثير من الشباب السنغالي من شعار الشركة علامات لملابسهم والتفائل به. وعززت سوداتل وجودها في غرب إفريقيا ليس في مجال خدمة الهاتف الجوال، بل هي مساهم وشريك مع كبرى الشركات العالمية للكيبل البحري الممتد من فرنسا عابراً المحيط محاذياً الشاطئ الغربي لإفريقيا حتى مدينة كيب تاون في جنوب إفريقيا.. ويخدم هذا الكيبل البحري «23» دولة إفريقية.. ومعلوم أن سوداتل مساهمة أيضاً في الكيبل البحري الشرقي لإفريقيا. وترعي إكسبريسو العديد من الأنشطة الاجتماعية والثقافية مثل مساهماتها ووجودها الفاعل في مؤتمر رابطة العالم الإسلامي ومهرجان الثقافة الزنجية ودعم متضرري السيول والفيضانات التي ضربت أجزاءً واسعة من السنغال.. وراعية الحفل الرئاسي لتدشين نصب وبرج النهضة الإفريقي الذي بات أهم معلم في داكار.. ورعاية الطلاب الوافدين للجامعات السنغالية من جزيرة هايتي، ودعم المكفوفين وإقامة الحفلات الخيرية لعلاج المرضى بالخارج. وتساهم إكسبريسو مادياً وعينياً في كل الاحتفالات الدينية الكبرى التي تقام في المدن الإسلامية العريقة «طوبا، كولخ، تواون، أنجاسان» وتستقبل كل زيارات وفود الطريقة التجانية القادمين من السودان خاصة الوفد الذي شهد افتتاح أكبر مسجد للطريقة التجانية في إفريقيا بمدينة كولخ، مثلما قدمت كل ما وجب للمنتخب الوطني السوداني خلال مشاركته في البطولة الإفريقية بغينيا والغابون في 2010م. ومن الغرائب أن هناك تشابهاً بين مناطق جبال النوبة والسنغال، فالرياضة الأولى ليست كرة القدم وإنما هي المصارعة التي تنظم على ذات الطريقة لدى قبائل جنوب كردفان، ويحظى المصارعون في السنغال بمكانة اجتماعية رفيعة، وهم نجوم مجتمع ومن أغنى فئات الشعب السنغالي الذي يحب هذه الرياضة حباً جماً. ومع قرب إطلاق الجيل الرابع من قبل إكسبريسو، يتطلع الشعب السنغالي إلى الجديد الذي سيقدم له، وقد حرص الرئيس السنغالي مكي سال على توجيه موظفي الدولة إلى حصر اشتراكاتهم على شبكة إكسبريسو السودانية بوصفها ثاني مشغل في بلاده، لقناعاته بأن الشركة التي أدخلت خدمة الجيل الثالث من قبل وتزمع إدخال الجيل الرابع هي الأجدر والأقدر. أحاديث مع السفير: سفير السودان لدى السنغال العبيد محمد العبيد رحمة ومعه المستشار الريح عبد الرحمن المهدي والمستشار ياسر فيصل محمد عبد الله والملحقون الإداريون منصور محمد هارون وموسى إسماعيل موسى وموظف العلاقات العامة النابه التيجاني نيايس وموظفو شركة إكسبريسو لم يفارقوا وفدنا لحظة واحدة في السنغال. السفير تحدث عن تاريخ العلاقة بين البلدين وأهميتها للسنغال بوصفها دولة إفريقية عريقة، وتعتبر من الديمقراطيات الكبيرة في القارة الإفريقية، وزارها الرئيس البشير عدة مرات في عامي 2003م و2008م، وتم توقيع عدة اتفاقيات للتعاون من بينها إنشاء لجنة وزارية مشتركة، واتفاقيات أخرى مع وزارة الخاريجة واتحاد أصحاب العمل والجامعات السودانية، وتحتفظ السنغال بعلاقة جيدة مع السودان، ويوجد تفاهم مشترك وتنسيق سياسي، ويقدم البلدان أنموذجاً للعلاقات المتطورة.