ولكن لماذا انطلقت الأيادى تتخاطف اقراص الفياجرا منذ أن أعلن عنها بهذة الكثافة، هل يعانى العالم اليوم من قصور فى القدرة الجنسية؟ الإجابة غير المفرحة وبكل اسف تقول نعم.. وما سأورده قد لا يكون مريحاً للكثيرين، ولكننا فى سبيل توضيح الحقائق للناس نلجأ الى القول الصريح وغير المريح. لقد قرات مقالاً فى مجلة النيوزويك يتحدث عن ابحاث قام بها فريق من العلماء على بركة بها اسماك كانت تلقى فيها بعض النفايات وتتسرب اليها مياه الصرف الصحي.. المحتوى المائي لتلك البركة دل على وجود نسبة عالية من الهرمونات الانثوية التى جاءت نتيجة لغسل النساء لأجسادهن ووجوههن التى كانت ملطخة بمستحضرات التجميل المختلفة التى تدخل فى تركيبها الهرمونات الانثوية وتوصل العلماء الى ان البيئة المحيطة بإنسان المدن ترتفع فيها نسبة الهرمونات الانثوية وعندما يلتهم الانسان الطعام المحتوى على تلك الهرمونات مثل الاسماك والدواجن والفواكه والخضروات التى تكون قد امتصتها التربة، فإن نسبة الهرمونات الانثوية فى الرجال آخذة فى الارتفاع واخذت تلك الظاهرة تعبر عن نفسها فى الاطفال الذكور الذين يولدون فى تلك البيئة فقد لاحظوا صغر أعضائهم التناسلية بما يعادل 40% وكذلك اجسامهم واستداراتها وتاخر نمو الشوارب والذقون ونعومة الاصوات التى تعد من المظاهر الجنسية الثانوية.. وتوصل العلماء الى حقيقة ربما لا ترضي الكثيرين ايضاً وهى اننا اقل فحولة من آبائنا وأجدادنا بحوالى 40% وكان من مظاهر ذلك ظهور العجز الجنسي فى سن مبكرة إضافة إلى أن الحياة العصرية أصابت الإنسان بازدياد فى امراض السكر وضغط الدم التى تؤدي هى والادوية التى تستعمل لمعالجتها الى فقدان القدرة الجنسية فى الوقت الذى تحاصر فيه أجهزة الاعلام المرئى والمسموع الانسان العصرى بوابل من الصور المثيرة والاعلانات الأكثر إثارة.. هل رأيت ذلك الكم الهائل من المجلات والاصدارات ذات الصفحات البراقة وهى تتفنن فى إثارة الغرائز بعرضها لصور محسوبة العائد التأثيرى؟ إن الهجوم على الغرائز وتحفيزها وتحريضها على التمرد بمثل تلك التقنية العالية قد القى أعباءً هائلة على الجهاز العصبى لإنسان العصر. الا ان قدرة ذلك الانسان محدودة بما يتعرض له من تغيير فى طبيعته الفسيولوجية بازدياد الملوثات بالهرمونات الانثوية وغيرها من مؤثرات البيئة الكيمائية والثقافية. وإزاء هذا التحريض من جهة والعجز من جهة اخرى نشطت تجارة رفع معنويات الفحولة على ذات الطريقة القديمة التى بشر بها جلال الدين السيوطى ولكن بإخراج وتغليف جديدين وكل هذه المنشطات المرغبات المحفزات، تقع تحت مسمى ا لافروديسياكس وهو اسم مشتق من اليونانية. فحسب الميثولوجيا الاغريقية فإن افرودايت هى المسؤولة عن الإخصاب والحب والجمال ومنها اشتق ايضاً الاسم هيرمافرودايت، وتعنى خنثى مشكل مثل الكثير من الحيوانات السفلى كالدودة الشريطية مثلاً. وظلت الدعاية تطالعنا فى الصحف والمجلات بعينات من تلك المنشطات التى قصد منها ابتزاز الانسان العصرى وتحويل جزء منه بدون استحياء بأصوات صارخة وكل الضوضاء على جزء فاعل ومشى بعض المروجين بيننا يقدمون بضاعة مضروبة يزعمون أنها تصلح ما افسده الدجاج المهرمن والملوثات البيئية. احد اصدقائى كان يشكو لى من أنه لاحظ منذ ان اخذ يلتهم تلك الوجبات السريعة والدجاج المهرمن ان الشعر الذى كان يغطى رجليه ويديه قد اختفى منذ أن حل بلاد الاغتراب، وحلت مكانه طبقة ملساء من جلد ناعم وهو لا يدرى الى اين يقود ذلك. تذكرت هذا وانا اتحدث لأحد الأصدقاء من البشاقرة وهو يحكى لى أن جده محمد الامين قد رزق بابن من زوجته صغيرة السن فى نفس اليوم الذى أعلن فيه ان ستة من الرجال قد لقوا حتفهم بعد ان تناولوا اقراص الفياجرا.. ذلك الجد الذى لم ينقطع عنده الإرسال هو الآن فى السادسة والثمانين من العمر... الجد محمد الامين قضى حياته كلها فى البشاقرة ولم يفارقها الا لما كانت تستدعيه الحاجة، يصلى الصبح في وقته ويتناول فطوره المكون من«لبينة» احياناً لبن رايب مع لقمة او كسرة ويشرب الشاى ثم ينزل الى شغله على ظهر حمارته.. ينام مبكرًا بعد صلاة العشاء.. اسنانه لم يفقد منها شيئاً بصرة ما شاء الله حديد.. سمعه يسمع دبيب النمل على الحيطة.. وفوق ذلك فإن «سباكته» الداخلية ممتازة.. ليس هناك تجلط او انسداد فى اى وعاء شريانى او وريدى بيئته نظيفة غير ملوثة بالهرمونات الانثوية التى تشكو منها مجتمعات المدن اصيب مرة او مرتين بالملاريا الا انه ظل قوياً لم يسمع بالدجاج المهرمن او الوجبات السريعة.. ولا يعرف الكوليسترول ولم يسمع به.. وكان عندما يصاب بالزكام يشرب العسل والسمن دون ان يخلف وراءه اى شيء وعندما تتغير الفصول ويدور العام ويأتى عيد الاضحى يذبح ضحيته مثله مثل غيره من الاهل وينعم باكل المرارة والشية ويهضم كل ذلك «بشربوت» «ينضم» اى ان فقاقيعه تحدث اصواتًا مثل الكلام. الجد محمد الامين هو نموذج لنمط من الحياة كان سائداً فى جميع أنحاء السودان.. عندما كانت الحياة رخية والبيئة انظف ومستحضرات التجميل كانت تنحصر فى الطلح والشاف والكليت والكبريت بجميع لوازمه ولم يسمع احد بالمساحيق التى تشد البشرة ولا تلك التى تفتح اللون، فتجعل البنت خاتف لونين الوجه فاقع والايادى داكنه، والمسحوق الوحيد الذى كان يستعمل لاعطاء النساء ذلك اللون الخمرى والخد الزهرى هو مسحوق العصُفر شيء من الكركم والأعشاب وليس به اى اوسترجين او اى شيء من هذا القبيل. احد الاصدقاء كان فى انتظار زوجته القادمة من السودان.. ومن خلال فتحة فى بوابة الخروج عند جمارك المطار لحظ الاخ ان شرطي الجمارك كان يتحدث مع الزوجة ويشير الى كرتونة فتحها واخرج من داخلها بعض الحطب ويبدو انه كان يسأل عن كنه ذلك الحطب الذى اعتادت النساء السودانيات يتجشمن مشاق حمله.. وتضايق الصديق جدًا فأخذ يتبرم ويقول: - شفت.. شفت حمالة الحطب بتعمل كيف؟ ستين مرة انا قلت ليها يازولة حطبك دا ما فيهو فايدة...احسن ما تتعبى وتجيبهو.. هى بس ساكت مصرة.. وكل مرة بتاع الجمارك يسألها عن الحطب دا.. في ظل تلك البيئة النظيفة كان آباؤنا واجدادنا يستنشقون هواءً نقياً ويأكلون غذاء خالياً من الملوثات البيئية ويشربون ماء صافيًا ولبنًا اصفى وينامون مبكرين ويصحون مبكرين ولهذا كانوا يتزوجون مثنى وثلاث ورباع وهم قد تعدوا الثمانين وينجبون ولا يحتاجون لفياجرا حتى لو كانوا فى الفاشر او البشاقرا. آخر الكلام: قبل أعوام رئيس دولة إفريقية كبيرة تناول قرصين من تلك الأقراص.. كانت السبب في موته.. وكانت السبب في سعادة شعبه إذ أنه تخلص منه ومن قبضته الحديدية.