طلب إلي مؤتمر «تطوير مناهج فقه الزكاة في التعليم العام والجامعي» الذي دعا له وأشرف عليه المعهد العالي لعلوم الزكاة بالخرطوم، بالتعاون مع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو» أن أقدم ورقة علمية تسهم في التخطيط لكورس دراسي جامعي، يتناول موضوعات الزكاة، بصورة تبعد عن الصورة النمطية التقليدية التلقينية الجامدة. وفي محاولة لاختراق صحفي لحيز الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، أود أن أعرض على صفحات «الإنتباهة» بعض ما جرى به القلم في هذا الشأن. حيث من المؤكد أن ما يدور في جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية العالية، يحتاج إلى نقد تفصيلي بصير هادف، بعيد عن النقد الجانح الجارف، الذي لا يني يكرر الحديث الذي لا طائل من ورائه عن انهيار التعليم الجامعي وضعف خريجيه. وما أدعي اقتدارًا ولا استبصارًا وما أكثر ما أعرضت عن القول في هذه المجالات لقلة من يسمعون أو يحبون أن يسمعوا. وفي دوما الخاطر قول الغزالي عن صعوبة قَبول النصح عند الأكثرين، وما عقَّب به جعفر محمد علي بخيت عن صعوبة العمل بالنصح ولو قبل به. ولكن دعاني إلى القول اليوم من لا أستطيع أن أرد له طلبًا، وهو شيخنا عبد القادر الفادني، وزميلنا الشيخ نصر الدين فضل المولى، وشباب العلماء من معهد علوم الزكاة ممثلين في الدكتور عمر حسب الرسول عثمان والدكتور أبو بكر يوسف حمزة وغيرهم من الشباب الناهضين. التقرير الباهت يلاحظ على تقديم مادة «الزكاة» في سياق الكورسات الدراسية بالجامعات، أن المادة ما تزال تدرس بصورة تقريرية باهتة منسوخة عن كتب المتون، أو منتزعة عن ملخصات جافة، انتزعت بدورها عن ملخصات لا تقل جفافًا عنها. وبذلك فقدت المادة حيويتها، وأصبحت مجرد تقريرات وصفية، نظرية، خالية من الروح الإيمانية، لا تجذب الانتباه، ولا تدعو إلى التأمل في الموضوع بما يليق. ولما كان أكثر الطلاب غير مكلفين بأداء فريضة الزكاة، فقد أضعف ذلك انتباههم إلى أهمية تلك المادة وقلل من اهتمامهم وانفعالهم بها. وقد كان من الواجب أن يدعو هذا العامل بالذات إلى الاهتمام بصياغة مادة الزكاة بعناية أكبر، وتقديمها في صياغة حية، موحية، مؤثرة، حتى يتفاعل معها الطلاب بالقدر المرجو. ولكن بقي تدريس هذه المفردات، في أكثر المقررات الجامعية، على ما هو عليه من الصيغ التقليدية الجامدة، بلا كبير أمل في إعادة نظر تجديدية في هذه الصيغ المتهالكة، إلا من قبل أساتذة قلائل انبروا لتدريس تلك المفردات، بوحي من وهجهم الشخصي، وبدفع من مبادراتهم الذاتية، بنسق حي أخاذ، يأخذ بألباب الطلاب، ويؤثر فيهم، ويوجههم للنظر المتأني المتعمق في هذه المفردات. وحسب علمنا القاصر، فإن هذه هي المرة الأولى التي تقدم فيها الدعوة لإعادة النظر في تأسيس وترتيب مفردات هذه المادة، من قبل مؤسسة أكاديمية إسلامية متخصصة، تعينها مؤسسة ثقافية عالمية متخصصة في الإسلاميات. وتلبية لهذه الدعوة قمت في هذه الورقة بتناول الصياغات الحالية للمادة الدراسية للزكاة بالنقد، مع العمل على تقديم اقتراحات وبدائل عنها، وإعداد مخطط نموذجي لتدريس مادة الزكاة بالجامعات، يمكن تعريضه بدوره للمناقشة والنقد، بغية تعديله وتطويره، من أجل لحصول على مخطط منهجي أفضل منه، يجري اعتماده لتدريس الكورسات الجامعية التي تتناول موضوع الزكاة. نقد السلبيات أولاً ولم يكن ثمة من معدى من أن تبدأ الورقة العلمية بعرض سلبيات عرض مادة الزكاة في السياقات الجامعية، قبل التعرض لجانب الإيجابيات، بل دونها، لأن من غرض الورقة، كما ينبئ عنوانها، النظر في أساليب «تطوير مناهج تدريس فقه الزكاة في التعليم الجامعي». ولذا كان لزامًا تركيز جل النظر على ما يحتاج إلى التطوير، لا ما سبق أن تطور ونضج بالفعل من خلال الممارسات التعليمية السابقة في هذا المسار. ولابد من التنصيص أيضًا على أن تصويب هذه الملاحظات النقدية إلى المخططات الدراسية، والأساليب التعليمية، التي تقدم بها مفردات مادة الزكاة على المستويات الجامعية، هو مما تنفرد به هذه المادة عما سواها من مقررات الدراسة الجامعية. فإن كثيرًا من مقررات الدراسات الجامعية، لا سيما تلك التي تتصل بشكل أو بآخر بمقررات ما يسمى بالدراسات الإسلامية أو الثقافة الإسلامية، تتشارك معها في هذه الاعتبارات. ولكنها قمنا بتصويبها، على وجه التخصيص، إلى مفردات مادة الزكاة، لأنها مناط النظر المنحصر، في إطار الورقة، في موضوع تطوير تدريس مادة الزكاة بالمناهج الجامعية. ونرجو أن ينعم مؤلفو المقررات التي تتناول هذه المادة، والأساتذة الكرام الذين يتولون تدريسها، إلى هذه الملاحظات بعين النقد كذلك، حتى يتم ضبطها، ووضعها في حيزها الصحيح المأمون، بعيدًا عن الغلو والتفريط. تتمثل أهم الملاحظات النقدية المنصبة على برامج تدريس الزكاة بالجامعات في أنها تنخرط في التفصيلات الدقيقة، التي قد لا تعني الطالب، ولا تهمه كثيراً في وضعه الاجتماعي والاقتصادي الحالي، وتشغله بالكثير من التفصيلات المدققة المسرفة في التدقيق، والتي لا ينبغي أن تدرس أكاديميًا على هذا النحو المفرط في التفصيل. وبدلاً من إغراق الطالب بهذه التفصيلات الكثيرة التي لا حد لها، يمكن أن تمنحه هذه المناهج لمحات عامة عن مقادير الزكاة ومعادلاتها أو أمثلة عنها تغني عن سواها. ومتى احتاج الطالب إلى هذه التفصيلات، لتلبية حالات بعينها من حالات الزكاة، أخذًا وعطاء، يمكن أن يجدها جاهزة على صيغة من الصيغ الفنية الإحصائية المحكمة على شبكة المعلومات الدولية التي غدت متاحة للكافة في كل حين، فيمكن أن يجد فيها الطالب المعادلات والجداول الرياضية، التي يمكن تعبئتها، ولتفي، بعد ذلك، آليًا وإلكترونيًا بالشأن المبتغى المراد. ويمكن بطبيعة الحال توجيه الطالب إلى المراجع الأصلية من أمهات كتب الفقه، للوقوف على التفصيلات مبسوطة على علاتها هناك، فيكون الطالب مزودًا بخلفية قوية من المصادر والمراجع القديمة، وعلى صلة وطيدة بالتقنيات الحسابية الحديثة، التي تعينه على اختصار المجهود. وتعاني مادة الزكاة في المناهج الجامعية من سوء التصنيف الفني لمفرداتها ولبعض أجزائها، ووجود كثير من الخلط في ترتيبها، وذلك مما قد لا يتناسب مع مذاقات الطلاب، وما عهدوه من التصنيفات العلمية الأكاديمية الصارمة، التي صيغت بها مناهج العلوم الاجتماعية والاقتصادية الحديثة. فالطالب المعاصر قد تعود على تلقي العلم من كتب منقحة، تم الاعتناء بها جيدًا من قبل لجان تأليف ومراجعة، وتردد النظر فيها كثيرًا، حتى وصلت إلى درجة عالية من الصفاء في التصنيف والترتيب، فمن تلقى العلم في كتب هذا شأنها يتعذر عليه أن يسترسل في قراءة مادة أكاديمية يعتورها التشويش وسوء الترتيب.