بالرغم من توفر الأحذية في الأسواق بمختلف الأشكال والأنواع وسعرها الذي بات في متناول يد الجميع لكن ما تزال هناك حاجة للإسكافي المتجول أو من يعرفون بالدارجي «بالنقلتية» والإسكافي المتجول أو النقلتي هو شخص في الغالب من البسطاء تجده يحمل أدواته والقليل من الأحذية مثل الأكعاب والسيور للاستفادة منها في خدمة زبائنه وهي تعد من المهن التي لم يحظ صاحبها بإكمال تعليمه... «الملف الاجتماعي» سلط الضوء على تلك الفئة البسيطة لعكس آمالهم وقضاياهم وماذا يحمل لهم المستقبل فماذا قالوا؟ محمد دابو من أصل مالي سوداني وجدته يفترش الأرض تحت ظل شجرة وارفة الظلال واضعًا أمامه «أدوات الشغل» من إبر ومسامير صغيرة وشاكوش أطلق عليه اسم قدوم وخيوط العصب وأرضيات الشباشب وكعوبها والسيور وأدوات الأورنيش يراقب المارَّة وقد حسبته يراقب أقدامهم وخطواتهم للوهلة الأولى، ابتدر حديثه بالقول بأنه جاء إلى السودان منذ سنوات بصحبة والده الذي كان يمارس ذات المهنة وهي خياطة الأحذية، ولما توفي أخذ مكانه، وقال إن المناطق النائية مثل القرى والأرياف هي الأفضل لممارسة مهنته من المدن الكبرى ولهذا يتجول في تلك القرى حيث البساطة، وأضاف أن الناس لا يشترون الكثير من الأحذية هنا مؤكدًا أن عملهم لا يزال مزدهراً في تلك المناطق حيث يفرح الناس كثيراً عندما يأتي إلى قريتهم ويتسابقون في إحضار الأحذية المختلفة له وأضاف أنه يأتي إلى الخرطوم بغرض شراء مستلزمات العمل فقط ثم يعود للتجوال. «آدم» الشهير ب«النقلتي» قال إن مهنته جيدة بالنسبة له فهو يقوم بعدد من الأعمال الأخرى مثل شراء القديم وتجديده وبيعه مرة أخرى وتغيير الأرضيات والوجه الأمامي على حسب ما يراه الزبون، وأضاف أن العائد قد يكون مجزياً في بعض الأحيان فيمكن أن يصل إلى مائة جنيه، وأضاف أنه يحدد السعر على حسب المنطقة والناس وأوضاعهم، ونفى أن تكون المنتجات الصينية المسيطرة على السوق قد أضعفت دخله، بل على العكس، وقال إن المنتج الصيني حسَّن من دخله لأنه ليس ذا جودة عالية، ففي الغالب لا يتحمل الاستخدام لعدة أيام فيحضر إليه الزبون بعد فترة قصيرة بغرض الخياطة مرة أخرى. وضحك عيسى كثيرًا عندما سألته عن عدم ذهابهم إلى الأحياء الراقية، وقال: هؤلاء لا ينتظرون حتى تتلف أحذيتهم ويخيطوها بل يشترون الجديد موضحًا أنه جاب جميع أنحاء العاصمة وعرف أين يجد رزقه وكيف يختار موقعه في الأحياء الشعبية، وقال: عندما أجد شارعًا مكتظًا بالأطفال على الفور أمكث به لأن البيوت التي فيها أطفال تجد فيها الكثير من الأحذية التي تحتاج إلى ترميم. بينما تحسر حاج أبكر كثيرًا على العقود الماضية لمهنته، فقال: في فترة السبعينيات والثمانينيات كان «للنقلتي» مكانته في المجتمع فكلما زار قرية وجد الترحاب وكرم الضيافة ويتسابق الناس لضيافته في منازلهم ويمكث ثلاثة أيام أو أربعة يرمم فيها جميع أحذية القرية، وكانت تلك الأحذية من الجلد الخالص والمستوردة إيطالية الصنع ليس مثل الآن من البلاستيك الذي هو أصلاً بالٍ ومنتهي الصلاحية، وكان الحذاء يعيش لعدة سنوات مع صاحبه الذي يفاخر بذلك، واعتبر عيسى أن مهنته شبه منتهية منذ تلك الحقبة وأن من يوجدون حاليًا ليس إلا عديمي شغلة وأنهم سرعان مايتركونها متى ما وجدوا عملاً آخر.