الحافظ محمد السوار المعلم والمربي قبل أن يكون وزيراً هو ابن العابد والعارف بالله الراحل محمد السوار الذي جاء مهاجراً وداعياً من غرب السودان إلى جبال النوبة، ولقد قال عنه الكاتب عبد العزيز خالد في كتابه «جبال النوبة إثنيات وتراث» كان الشيخ السوار زاهداً في كل شيء إلا في العبادة والقرآن وهذه الشهادة قالها أحد الذين عاشوا بالقرب من الشيخ، ويقول صاحب كتاب في ظلال القرآن وفي مقدمته المشهورة «إن العيش في ظلال القرآن نعمة لا يحسها إلا الذي عاش تحت ظلها». وهكذا تربى أبناء السوار على روح وأدب القرآن، وراحلُنا نموذج في ذلك فالذين يعرفون الحافظ جيداً يؤكدون أنه رجل عابد وذاكر يقيم ليله تهجداً واستغفاراً وكأنه الذي سأل عنه التابعي معاوية بن قرة.. «من يدلني على رجل بكاءً بالليل بسام بالنهار».. ونحن نشهد أن أستاذنا الجليل الحافظ بتلك الصفات والتي نزيد عليها أنه هادئ الطبع ومتصالح مع نفسه مطمئناً في جميع أحواله ولعل ذلك يرجع إلى معنى الآية الكريمة «الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» صدق الله العظيم. فالعيش في ظلال القرآن كما يقول سيد قطب يورث الشجاعة والتوكل والكرم ويا لها من نعمة عندما يكون الرجل بتلك المزايا وأستاذنا الراحل جندته فطرته وتربيته الى الحركة الإسلامية التي ذاق في دربها مرارة الاعتقالات والتعذيب وهو طالب بالوسط والثانوي في العهد المايوي وحينها لم تلن عزيمته أو تنكسر له شكيمة أو يباهي بها الآخرين بل صارت عنده تاريخًا جهاديًا يحدثنا عنه في جلسات الصفاء ورفقة السفر لتصل لنا الرسالة أن المشرع الإسلامي الذي نعيش تحت ظله اليوم جاء نتيجة مجاهدات وابتلاءات وصبر وعزيمة من رجال صادقين منهم من قضى نحبه نقياً تقياً راضياً مرضياً ومنهم من ينتظر صادقاً وصابراً ومحتسباً. رحل الشهيد الحافظ سوار وهو أحد الركائز التي قامت عليها مؤسسة الدفاع الشعبي قبل أن تسمى بذلك الاسم، وكانت الهيئة الشعبية للدفاع عن العقيدة بكادوقلي.. رحل وكان وفياً لاخوانه الذين سبقوه الى الآخرة بكامل السترة وجمال النهاية لم ينسَ الكلس ولا المندوب ولم تغب عنه ذاكرته محمد تاور أو مهدي مأمور ومحمد اسماعيل كنيه، فكان يتحدث عن خميس حمدان وعلي ابراهيم وكأنهم يجلسون أمامه وهؤلاء هم قادة الدفاع الشعبي الذي ذهبوا شهداء إلى ربهم للذين لا يعرفونهم.. وأشهد الله أن ثم أشهده بقسم مغلظ أن الحافظ يهتم بأسر الشهداء والأيتام إنفاقاً في الخفاء وتدمع عيناه عندما نتحدث عن تاريخ ومسيرة الجهاد والدفاع الشعبي بجنوب كردفان، فكان الحافظ رمزاً للوفاء والوفاء قيمة إيمانية وميزة من ميزات الرجال الكمل والكمال له وحده وهكذا كان يقولها أبونا الراحل الشيخ عبد الله ود العجوز. عاش أخونا وصديقنا وحبيبنا الحافظ هادئاً ورحل بذات الهدوء وكأنه من الذين قيل فيهم لهم ما يشاءون عند ربهم، رحل الشيخ العابد بقطار الحزن الذي رفض التحرك من محطات جنوب كردفان ليعيد إليها ذاكرة الحزن من جديد وليعيد ذاكرة بلندية وفيصل واخوانهم، مكي بلايل وأصحابه وعبد الرحمن كمبال وصديقه أبو زيد الزعيم، المهندس النور وابن عمه سليمان بدر... هكذا تدور عجلات القطار في محطة الجبال بعد أن أطلق صافرة الحزن التي لم تراعِ دموع أحمد هرون لفراق اخوانه، ولم تمنح الفرصة لآدم الفكي الذي سيفقد عنصراً هاماً من عناصر الإسناد ولم يشفع بكاء أحمد خميس الذي ارتمى على جثمان الراحل باكياً ومقبلاً. تلك الصافرة التي غلبت على عويل النساء وصراخ الأطفال بكادوقلي وأبو جبيهة والفولة والأبيض، وهكذا تبكي كردفان وتحزن لفقد أبنائها الكرام ولا نقول إلا ما يرضي الله «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ». رحل الحافظ سوار وقبل رحيله بساعات يرحل صديقه ورفيق دربه في العلم والحركة الإسلامية العميد شرطة عبد الله حميدان الذي عرفته وهو برتبة النقيب في بواكير الإنقاذ وحينها كان من الضباط الاسلاميين بالشرطة في كردفان الكبرى وهم خمسة فقط آنذاك وحميدان بمثابة البوصلة لنا في كيفية تأصيل العمل الشرطي واندياح الدعوة وإحداث التغيير وإدارته، وظل ممسكاً بمبادئه ومجاهداً يمتاز بالشجاعة والثبات في متحركات غرب النوير والاستوائية والشرق وتأمين الطريق القومي... رحلوا في يوم واحد أصحاب المبدأ الواحد وكلٌّ منهم يحب الآخر وكأنهم تدثروا بثياب الحديث رجلين تحابا في الله اجتمعا وتفرقا عليه. «اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم يا أرحم الراحمين».