لن تتنازل الحكومة ولا حزبها الكبير المؤتمر الوطني عن السياسات الاقتصادية المزمع إقرارها يوم الخميس المقبل في جلسة مجلس الوزراء القادمة.. وخاب فأل وطاشت سهام كل من كان يتوقع أن يطرأ جديد أو تعيد الحكومة التفكير بعمق وتستجيب لما يقوله المواطن وتسمع أنين الشاكين، وترجئ أو تعدل في مقترحاتها التي أشعلت السوق وزادت من سعار التجار. الحكومة بلا شك غارقة حتى أذنيها في تلاطم شعورها المتضخم بالذات، وتظن أنها قادرة على كل شيء، وصمت آذانها عن سماع أي صوت مخالف، وتأبى عليها إدراك أن مسؤوليتها الاجتماعية تجاه الشرائح الفقيرة والضعيفة تفرض عليها التمهل في رفع يدها بالكامل عن دعم المحروقات وبعض السلع مما يجعل الحياة عسيرة وشاقة لا تُطاق، وستتوسع دائرة الفقراء والمعوزين وسيزدادون فقراً وضنكاً، بينما كل ما تربحه الحكومة من عائدات رفع الدعم كما يبدو لنا من سلوكها، سيذهب في الصرف والإنفاق الحكومي المعروف من مرتبات ومخصصات دستوريين وميزانيات تسيير وسد العجوزات في الميزانية الخربة. ولن تستفيد قطاعات المنتجين والعمال والشرائح المعدمة من أية عائدات تدخل جيب الحكومة من سياسة رفع الدعم، فهي ستُنفق في مصارف تخص الحكومة لسد النقص لديها، فلو كانت هناك ضمانات بأن هذه العائدات سيحسن توظيفها في المجالات الإنتاجية وتحسين ظروفها، وتصرف لتطوير وتوفير الخدمات الضرورية كالصحة والتعليم والمياه، لما كان الاعتراض عليها من الأساس. لكن الحكومة تصرُّ على أن ترى من زاوية واحدة، وكأن هذه السياسة دونها خرط القتاد.. هي أو الطوفان!! وهذا ليس صحيحاً، فقد اختارت الحكومة الحلول الأسهل، وتجنب القطاع الاقتصادي ووزارة المالية البحث بقوة وعمق عن حلول أخرى وإجراء جراحة مؤلمة في جسد الاقتصاد حتى يتعافى بالكامل. وكل الذي نسمعه من أرباب القطاع الاقتصادي والوزراء والمسؤولين، هو توقعات وافتراضات يكذبها الواقع باستمرار، وتتكرر نفس العبارات والجمل غير المفيدة والتعبيرات الاصطلاحية المعقدة، ولا يتغير شيء سوى حال المواطن إلى ما هو أسوأ. وتحب بعض الجهات في الحكومة ممارسة الاستعلاء المزيف باعتبار أنها تحتكر المعلومات وتحيط بكل مسألة علماً ومعرفةً، ولا ترينا إلا ما ترى، فقد حاكت لنفسها أثواباً من الوهم ولا تعتقد أن هناك من يقول.. انظروا إلى ملكنا العريان!! فعين الشعب الواعية والفاحصة ترى وترصد الطريقة العقيمة التي يُدار بها الاقتصاد لمدة عقدين من الزمان دون أن يتحقق المنشود من تطلعات تتساوى مع حجم العائد الذي دخل خزينة الدولة منذ تصدير البترول وحتى اليوم. فمن زاوية أخرى عين الحكومة قوية!! كما يُقال في توصيفنا الشعبي، فلن يطرف لها جفن أو يرق لها جنان، وهي تضع سكينة القرارات الاقتصادية المرتقبة على الرقاب أو تغرسها في البطون والخواصر، فالكيفية التي يُدار بها ملف الاقتصاد غير واقعية ولن تكون بالضرورة خلاَّقة ومبتكرة لتبتدع الحلول والمعالجات، فالأزمة في دولتنا معروفة ومتداخلة، والأوضاع المأزومة أمنياً وسياسياً وإدارياً وتنفيذياً نتجت عنها أزمة اقتصادية تفاقمت معها انحدارات وتطاحنات اجتماعية شديدة الوطء على الناس، فمن غير المعقول ألا تُعالج كل هذه الأزمات المركبة بحلول مركبة بدقة وتناسق لتعطي نتائج إيجابية تقود للاستقرار السياسي والانتعاش الاقتصادي والرفاه الاجتماعي. ونتصور كيف سيكون الحال بعد أن تركب حكومتنا رأسها، وتتخلى عن مسؤولياتها وواجباتها الاجتماعية، وتعلن هذه السياسات الاقتصادية، لتحصد في النهاية شعباً من الفقراء والمتسولين لا حول لهم ولا قوة.. ليكون هو من تحكمه وتتحكم فيه.