تقول الطرفة إن الزوجة كانت تعاني من ضيق منزلهم المكون من غرفة واحدة وحوش صغير جداً.. ولهذا فقد كانت تلح على زوجها ليرفع عنهم هذه «المعاناة».. وظلت «تنق» ليل نهار مطالبة «برفع المعاناة» عن كاهل الأسرة بالانتقال لمنزل آخر.. ولأن الرجل كان محدود الموارد فلم يجد غير أن يستشير أحد أصدقائه من المشهود لهم بالكفاءة و«الفهلوة» وابتكار الحلول.. وطرح عليه المشكلة بتاعة «رفع المعاناة» عن الزوجة وعن الأسرة بصفة عامة.. وقام المستشار بنصحه ألاّ يستمع إلى «نقة الزوجة» وأن يعمل فيها «ما سامع» وأن «يضرب طناش».. بل نصحه بأن يشتري غنماية ويُدخلها في الدار لتعيش مع الزوجة وأولادها.. وفعلاً ظلت المرأة تكورك وتطالب برفع «المعاناة» عن الأسرة، باستبدال الدار كمطلب أساسي وبإخراج الغنماية من الدار كمطلب فرعي.. وبعد أسبوعين اقترح نفس المستشار أن يتم إحضار نعجة ومعها ولدها الصغير لتعيش بين أفراد الأسرة.. وهنا جنّت المرأة وبدأت الجوطة والكواريك والمطالبة برفع المعاناة عن الأسرة، ولكن برز المطلب الأساسي بإخراج الغنماية من الدار وبإخراج النعجة وولدها كمطلب عاجل وتأجل مطلب تغيير الدار إلى مطلب ثانوي في الدرجة الثالثة بعد الغنماية والنعجة.. وقام الرجل بإخبار صديقه المستشار بأن «الولية» سكتت عن موضوع الدار الجديدة ولكنها «شبكت» في قصة إخراج الغنماية والنعجة وولد النعجة.. وسيادة المستشار أوصى صديقه بأن يقوم بشراء بقرة كبيرة الحجم ويدخلها مع الجميع في المنزل.. ولا يلتفت إلى الكواريك .. والزوبعة.. وهنا كادت المرأة أن تفقد وعيها وصارت «تعيِّط» وتندب حظها وتلطم خدودها وتشق جيوبها وتلعن أبو اليوم الأسود الذي أدخلها في هذه «المعاناة».. وحلفت بكل الأولياء والصالحين بأنها لن تمكث في ذلك البيت إلاّ بعد «رفع المعاناة» المتمثلة في إخراج البقرة كمطلب ابتدائي.. يعقبه إخراج النعجة كمطلب ثانٍ ويليه إخراج الغنماية مطلب ثالث.. وتجاهلت تماماً الموضوع الأول الخاص بالدار وابدالها بمنزل أوسع.. وبعد التشاور مع المستشار قام الرجل بإخراج الغنماية في أول «خطوة» نحو «الإصلاح» وانبسطت أسارير المرأة وفرحت وأطلقت نصف زغرودة بعد أن شاهدت بعينها «ثلث المعاناة» وهو يُرفع عن كاهلها.. ولكن ظلت المطالبة قائمة بإخراج باقي الحيوانات. وبعد أسبوعين قام الرجل بإخراج النعجة وولدها من الدار.. وبالطبع فرحت المرأة و«نطَّطَت» و«زغردت» وفرحت فرحاً قاتلاً.. وشعرت بالطبع بأنها قد انتصرت بنسبة ستين في المائة وبقي لها فقط إخراج البقرة الذي ظل مطلباً أساسياً ومشروعاً ويمثل قمة رفع المعاناة.. وبعد شهر كامل تكرم الرجل وتعطف وتلطف وأخرج البقرة من البيت.. وفرحت الزوجة.. وزغردت تاني، و«جقلبت» و«عرضت صقرية» و«دقت الدلوكة» وأخبرت نساء الحلة بأنها أخيراً وبعد النضال الشاق والمطالب المشروعة استطاعت أن تحصل على تنفيذ مشروع إخراج البقرة لاستمرارها في المطالبة وإلهاب الشارع الأسري.. أها يا جماعة قبل شهرين من الآن.. الحكومة قالت سوف تزيد أسعار البنزين والجازولين.. وصرنا نكورك و«نفنجط» و«ننادي» و«نتوعد» .. والمعارضة قالت إنها سوف تولع الشارع وكمان تقلب الحكومة.. والحكومة أصرّت وألحّت وقالت إنها ربما تفكر أيضاً في رفع الدعم عن القمح والدقيق و«برضو» صرنا نكورك.. والمعارضة كوركت وقالت إن ذلك تجويع للشعب ولن يحدث إلا على «أجسادها».. والحكومة أصرَّت وألحّت وقالت إنها ربما ترفع الدعم تدريجياً عن هذه الأشياء وعن غيرها.. وربما تزيد المرتبات وبرضو كورك الناس.. وكوركت المعارضة بأنواعها «الوطنية والماوطنية».. وفرحت المعارضة وقالت إن «عليهم الطلاق» سوف يقلبون الحكومة ويشعلون الثورة.. ومؤخراً قالت الحكومة يا جماعة إن الدعم سوف يرفع شوية شوية.. وانتظرت و«خنس الناس» و«خنست» المعارضة.. ثم الحكومة قالت إنها سوف ترفع المرتبات بنسبة «11%» إلى «25%» ولكن في العام القادم إذا شاء الله وسكتت وبرضو الجماعة سكتوا و«كرسوا».. وتركوا قصة توليع الشارع.. وأخيراً جاءت أخبار الأمس لتقول بأن الحكومة ربما قررت أن تؤجل الأمر برمته وتترك التفكير فيه إلى حين إجازة ميزانية السنة الجديدة.. يعني من شهر يناير وانت طالع.. وبهذا تكون الحكومة قد «رفعت المعاناة» عن ظهر «المعارضة» وبالطبع نتوقع أن تسكت المعارضة عن «الكواريك» ويتوقف الهرج لأن المحروقات لن تزيد.. فقط هناك سؤال بسيط جداً.. من الذي يقدر على إيقاف الزيادة في أسعار السلع الأخرى التي ارتفعت أصلاً ثم ما هو وجه الشبه فيما قلناه عن نظرية «البقرة» بتاعة الزولة بتاعة الراجل بتاع المستشار بتاع المعاناة بتاعة رفع الدعم بتاع المحروقات بتاع الحكومة بتاعة المؤتمر الوطني.