يبدو أن الخرطوم اتخذت نهجاً وطريقة جديدة في التعامل مع واشنطن من خلال مبعوثيها لدى السودان لتتغير اللهجة للتعاطي مع المبعوثين. فبعد التصريحات والوعود التي يطلقها المبعوثون من وعود والتزامات لا تخرج من كونها تصريحات ظلت الخرطوم تتعامل معها بسياسة دبلوماسية على الرغم من أنها تعي أنها سياسة «الجزرة والعصا»، لكنها خرجت هذه المرة بتصريحات حادة من الخارجية وللمرة ربما تعتبر الأولى تعاملت الخرطوم مع المبعوث الحالي دونالد دوث بطريقة مختلفة. فقد نقلت وزارة الخارجية للمبعوث الأمريكى أن الحكومة في انتظار رؤية متكاملة حول مهمته وما تتضمنه من طرح جديد بشأن العلاقة بين البلدين بعد أن رفضت له التدخل في قضية أبيي بعد أن وصف قضية أبيي بأنها شائكة، الأمر الذي جعل الخارجية تغير نبرة تصريحاتها، وهاجمت بشدة تلك التصريحات. فقد صرح وزير الخارجية كرتي تعليقاً على حديث دوث مؤكداً أن المبعوث الأمريكي لا دور له في القضية باعتبار أن البلدين بينهما اتفاق واضح موقع من قبل الرئيسين البشير وسلفا كير حول وضعية أبيي والخطوات التي ستجري حتى إنهاء القضية، معتبراً وصف المبعوث الأمريكي للقضية بالشائكة أمراً لا علاقة له بالحقيقة ويصب في خانة التضخيم. وأضاف كرتي أن السودان لن يقبل بأي تدخل من المبعوث الأمريكي في شؤونه إلا إذا كان فيما يعين في تحسين العلاقة بين السودان وجنوب السودان أو بين السودان والولاياتالمتحدة قائلاً:«القضايا الداخلية للسودان أو علاقاتها مع دولة جنوب السودان لا تهم أمريكا ولاعلاقة لها بها وأمريكا لم تحسن علاقتها مع السودان وهي بهذا غير مؤهلة للحديث عن هذه الأمور. الخبير الإستراتيجي عمر عبد العزيز يرى خلال حديثه ل «الإنتباهة» أن الخرطوم بدأت تتغير تجاه إستراتيجية واشنطن، فبعد التصريحات التي بعثتها الخرطوملواشنطن مطالبة بتوضيح رؤية متكاملة حول مهمة المبعوث الأمريكي ويمضى عبد العزيز في الحديث، مؤكداً أن الوعود التي ظلت الولاياتالمتحدة تطلقها على لسان مبعوثيها فقد رهن المبعوث السابق بريستون ليمان بتطبيع العلاقات بين السودان وأمريكا مرتبط بتنفيذ «خريطة طريق» تركز على ضرورة إكمال تطبيق اتفاقية السلام الشامل وإحراز تقدم في «سلام دارفور» إضافة إلى تطبيق اتفاقية نيفاشا لكن على الرغم من رؤية الحكومة وتنفيذها لكل ما تطلبه واشنطن إلا أن الأخيرة ظلت «تماطل» في تنفيذ أي وعود. وتكمن أهم ما ظلت توعد به واشنطن هو رفع العقوبات المفروضة على السودان إضافة إلى إعفاء ديون السودان وغيرها من الوعود. يعتبر دونالد بوث المبعوث الأمريكي الثامن للسودان، والثالث في عهد أوباما فقد سبقه السفيران أسكوت غريشن، والسفير برنستون ليمان فى مايو 2011 والذي تنحى عن منصبه في ديسمبر من العام 2012، وخلال فترة ليمان لم تستطع الخرطوم الوصول إلى ما وعدت به الإدارة الأمريكية، فالعقوبات الاقتصادية ما زالت، وجهود التطبيع تتراجع، وما زال السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب رغم الأدلة الواضحة التي قدمتها الحكومة. ظلت الوجوه تتغير فقط بتغير أسماء المبعوثين لكن السياسة واحدة، وحتى إن كان هناك من يخالف هذه السياسة فأول مبعوث أمريكي كان روبرت زوليك الذي كان أكثر المبعوثين تفهماً لحكومة الخرطوم ولعب دوراً إيجابياً لتحسين العلاقة بين الخرطوموواشنطن وطالب بإعفاء ديون السودان المتراكمة لكن بعد أشهر قليلة تم اعفاؤه، الأمر الذي يؤكد أن الإدارة الأمريكية تفرد حيزاً لجماعات الضغط واللوبيهات والمنظمات غير الحكومية، وذلك حينما استجابت لضغوطهم من خلال الاستماع لهم وتنفيذ طلباتهم إن لم تتقاطع مع مصالح واشنطن.