إن عملية إصدار قرار حول رفع الدعم عن المحروقات أصبح الآن حديث الساعة في أوساط كل أطياف الشعب السوداني. ومن المعلوم تماماً في العام الماضي أن النائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه ساق عدة مبررات أمنية أمام البرلمان حول رفع أسعار المحروقات في محطات الخدمة قبل إجازتها في المجلس الوطني، وفي إجراء نادر اضطر البرلمان لاعتماد التعرفة الجديدة قبل أن يدخل تعديلاً طفيفاً بتخفيض جنيه واحد، وصادق البرلمان بشكل نهائي على البند المتعلق بتعرفة المحروقات في موازنة العام 2012 وفي تلك الأثناء ثار نواب البرلمان لدى إيداع وزير المالية للموازنة المعدلة وطالبوا بسحب الثقة عنه بسبب البدء في تطبيق الزيادات على المحروقات قبل عبورها من البرلمان. واضطر رئيس المجلس أحمد إبراهيم الطاهر لرفع الجلسة لمدة ساعة في ذلك الوقت لإتاحة فرصة للتشاور أمام كتلة نواب المؤتمر الوطني. وقال النائب الأول إن الحكومة اضطرت لتنزيل الأسعار الجديدة بشكل مؤقت قبل أن يطلع عليها البرلمان بسبب معلومات أمنية بشروع تجار في تحرير الوقود للاستفادة من فرق السعر لدى إعلان التعرفة الجديدة. واعترف طه في ذلك الوقت أن سياسات الحكومة الاقتصادية قد صاحبتها أخطاء مثل فتح باب الاستيراد. وذهب رئيس البرلمان إلى القول إن الحكومة شاورته في الخطوة ورأت أن المبررات التي دفعت الجهاز التنفيذي إلى ذلك مقبولة. وأطلقت خطوة الحكومة التي ابتدرتها في يوليو 2012 لخفض بعض الدعم للوقود في إطار إجراءات تقشفية قوامها سبعة مليارات جنيه سوداني «تسعمائة مليون دولار» احتجاجات شبابية استمرت عدة أسابيع قبل أن تتمكن من احتوائها. وقالت المصادر إن وزير المالية ومحافظ بنك السودان قدما تنويراً لضباط الشرطة وجهاز الأمن والمخابرات حول الإجراءات الاقتصادية التي تنوي الحكومة اتخاذها، ومن بينها قرار رفع الدعم عن المحروقات ولكنهما اصطدما بتقدير موقف أمني يحذر مما يمكن أن تقود إليه الخطوة في هذا التوقيت من مآلات يصعب السيطرة عليها في ظل الاحتقان السياسي والأمني وتردي الوضع المعيشي في البلاد. وكان الحزب الحاكم قد استبق قرار الحكومة الوشيك برفع الدعم عن المحروقات بلقاءات وتنويرات لقطاعاته المختلفة ولقادة الرأي العام وزعماء الأحزاب السياسية المعارضة، لكنه لم يحظ بتأييد للقرار حتى وسط عضويته. وطبقاً لمصادر ل «الإنتباهة»، فقد واجه شباب وطلاب حزب المؤتمر الوطني الحاكم قيادة حزبهم خلال التنوير الذي قدمه إليهم الطاقم الاقتصادي التنفيذي والحزبي الأسبوع الماضي ورفضوا القرار وحملوا المسؤولين في الحكومة مسؤولية الفشل الاقتصادي، وأوضحوا لقيادة الحزب أنهم لن يتصدوا هذه المرة للمعارضة إن تمكنت من تعبئة المواطنين وإخراجهم إلى الشارع وأنهم ربما انضموا إليها. كما رفض تحالف قوى الإجماع الوطني المعارض مبررات الحكومة من أجل قرار رفع الدعم عن المحروقات، وهدد بمقاومة القرار وتحريك الشارع ضدها من أجل إسقاطها. وفي ذات الاتجاه شن أئمة مساجد بالخرطوم في خطبة الجمعة هجوماً عنيفاً على اتجاه الدولة لرفع الدعم عن المحروقات، مشيرين إلى أنه سيفاقم الضائقة الاقتصادية، بينما اعترض البرلمان على اتجاه الحكومة المنفرد لرفع الدعم عن المحروقات دون اللجوء إليه، أما الخبير الاقتصادي عصام الدين عبد الوهاب بوب فقد أشار خلال حديثه ل «الإنتباهة» إلى أن رفع الدعم عن المحروقات سوف يحدث أثراً مباشراً لزيادة تكلفة الإنتاج في العمليات الزراعية والترحيل، إضافة إلى الاحتياجات الآلية لأصحاب المشروعات، هذا في وجهة نظر جزئية، ولكن الواقع أن الأثر سيكون شاملاً على الاقتصاد السوداني، وبالتالي على مستوى أسعار السلع الكلية في البلاد، وهذا يؤدي إلى رفع تكلفة المعيشة والإنتاج، وبالتالي الأجور الضرورية للعمليات الزراعية. وباختصار فإن الأثر الآلي هو رفع تكلفة الإنتاج وأن ضعف المنتجين بنسبة لتقديرهم على زيادة الإنتاج إضافة إلى السلع الأولوية المنتجة ستفقد قدرتها على التنافسية السعرية في العالم، وهذا يعتبر مؤثراً على تنافسية الإنتاج الزراعي السوداني بصورة عامة.