لم أدرك خطورة الاستنزاف الاقتصادي الذي ربما تمارسه علينا بعض «الجهات» إلا بعد أن قابلت اثنين من الشباب.. «أولاد صغار» أعمارهم ما بين العشرين والثالثة والعشرين.. خريجون جامعيون أحدهم خريج اقتصاد والآخر آداب.. وجدوا أنفسهم «عطالى» فانخرطوا في تجويد «الإلكترونيات».. يمكنهم أن «يصلِّحوا» التلفزيون.. وجهاز الديجتال.. ويمكنهم أن «يوزنوا الدِّش».. ويصلحوا الرادي.. ويصلحوا الموبايل.. و«يُوْزِنُوا الساوند سيستم» في الحفلات.. وعند الضرورة يمكنهم أن يعملوا «شيالين» مع المطرب أو حتى يحاولوا إحياء الحفلة.. حيث لديهم «ديسك» أو «شريط» محمَّل بالموسيقا لكثير من الأغاني يحشروه داخل الجهاز وما عليهم إلاَّ أن «يجاسفوا» كلمات الأغنية.. أو يقلدوا المطربة «مريم جاكات» أو «سعدية حركات» في أغنتيها التي يقول مطلعها «سمح الدش كعب الغش آآآآي»... هؤلاء الشباب سمعت منهم العجب العجاب» من النوع الذي يمكن أن يفقع المرارة بتاعة المهندس الطيب مصطفى إن صح ما ذكروه من معلومات وهاكم ما قالوه: أولاً:- المشتركون في ما يُعرف ببرامج «الفسبكة» «بتاعة الفيس بوك» والإنترنت في البلاد لا يقل عددهم عن ثمانمائة ألف مواطن سوداني.. وهؤلاء القوم معظمهم شباب يدفع كل منهم اشتراكًا نصف يومي يقدَّر بحوالى «1200» جنيه بالقديم لكل اثنتي عشرة ساعة.. وينقطع الاتصال عنهم أوتوماتيكياً بعدها ليجدد إلى اثنتي عشرة ساعة أخرى.. هذا يعني أن أي واحد يدفع ألفين ومائتين جنيه كل أربع وعشرين ساعة. يعني مجموعة الثمانمائة ألف مشترك يدفعون واحد مليار وتسعمائة وعشرين مليون جنيه يومياً لناس الإنترنت و«الفسبكة».. يعني يا جماعة هؤلاء المشتركون يدفعون سبعة وخمسين مليارًا وستمائة مليون جنيه في الشهر.. يعني يا جماعة هؤلاء القوم يدفعون سبعمائة مليارًا إلا قليلاً في العام بالجنيه القديم.. وهذه طبعاً يجب أن يتم دفعها بعد تحويلها إلى عملات حرة «دولار، يورو» لتذهب إلى مقدمي الخدمة.. ومع كل ذلك نتساءل نحن لماذا يرتفع الدولار؟! ونتساءل أين تذهب السيولة؟! ونضع أصابعنا في أفواهنا دهشة مثل «العُورا». ثانياً:- هناك قناة رياضية معروفة تعلن عن خدماتها في كل المواقع وكل الدكاكين وكل الأكشاك وحتى بعض البنوك صارت تتنافس في الإعلان عن تقديم خدمات الحجز لخدمة هذه القناة الرياضية.. وتقول التقارير إن شعب السودان من أكثر الشعوب العربية اشتراكاً في هذه القناة.. وتقول التقارير إن المشتركين حتى الآن وصل عددهم إل مليون مشترك «1000.000» والعدد يتزايد.. ورسوم الاشتراك للفترة التي تقدر بحوالى ثلاثة أشهر ثمانمائة ألف جنيه «بالقديم».. يعني يا جماعة نحن ندفع للقناة الرياضية كل ثلاثة أشهر مبلغاً يصل «800000 * 1000000 = 800.000.000 جنيه» يعني ثمانمائة مليار .. يعني في أربع دورات في العام نحن ندفع ثلاثة ترليونات ومائتي مليار جنيه بالقديم.. وهذه وحدها تزيد عن إجمالي صادراتنا غير البترولية.. والمستفيدون يا جماعة قناة دولية.. في بلد آخر.. وينتظرون أن نحول لهم هذه الترليونات «بتاعة الرياضة» في شكل عملات حرة.. ومع كل ذلك.. وفي براءة الأطفال نتساءل لماذا يرتفع سعر الدولار في مقابل الجنيه السوداني القديم ومازالت أصابعنا في أفواهنا من الدهشة.. ثالثاً:- تقول التقارير إننا في السودان قد سبقنا من هم قبلنا ومن سيأتي بعدنا في عدد الموبايلات المحمولة.. وهناك خمسة وثلاثون مليون جهاز موبايل في السودان.. وإذا كان كل زول يتحدث بحد أدنى اثنين جنيه بس في اليوم فهذا يعني أننا نصرف سبعين مليار جنيه بالقديم في اليوم.. واثنين ترليون ومائة مليار في الشهر وخمسة وعشرين ترليون جنيه في العام.. وهذه الأموال كلها ينتظرها أهلها أصحاب شركات الاتصال ليتم تحويلها لهم بالدولار في الخارج علماً بأنهم لا يشترون منا شيئاً ومع كل ذلك نتساءل وبكل «العبط» وحسن النية عن أسباب ارتفاع أسعار الدولار.. وأصابعنا في أفواهنا من الدهشة و«ريالتنا تسيل».. ومع كل ما ذكرناه نظهر معارضين لرفع الدعم عن السلع.. «ونكورك» و«نتوعد» الحكومة بألاّ ترفع الأسعار لأنها سوف ترفع سعر الدولار.. مع أننا نحن الذين «نهدر» الموارد ونحن الذين نصرف في الفاضي.. ونتحدث في الفاضي ونتابع الرياضة في لندن والبرازيل ونحن الذين لا نراعي قضايا التنمية ولا الإنتاج الزراعي ونساعد على إنهاك مواردنا الشحيحة.. ثم نأتي لنقول أين الإنتاج وأين توزيع الموارد.. والمعارضة تجدها فرصة للمزيد من التوتر والخراب... يا جماعة لا بد من أن نقف بجدية لنراجع هذا الوضع المنهك والمخل والمزعج والمستفز. فإما أن نقلل من مثل هذه الخدمات أو نقتصد في الصرف عليها أو نجعل هذه الخدمات من الغلاء بحيث لا يستعملها إلا «المجبورون عليها». أها يا جماعة رايكم شنو؟!! ونرفع الشكوى لأهلنا في الأمن الاقتصادي ونسكت عن أشياء كثيرة إلاّ إذا سُئلنا!!