لمائة عام هي سنوات عمره النافع والصالح لخير الأمة السودانية ظل الاستاذ اسماعيل العتباني يقدم العلم والفكر والرأى الثاقب فكان نعم المواطن الصالح البار بوطنه والمهتم بأمر الشعب الذي خرج منه. ولد المرحوم اسماعيل العتباني بام درمان بحي أبو روف في عام 1909م، ودرس الخلوة بأبو روف ثم التحق بكلية غردون التذكارية قسم المحاسبين وتخرج في عام 1930 في الكلية. وعمل محاسباً بحكومة السودان، وكانت الصحافة تجرى في دمه، فظل واحداً من أشهر كتاب الصحف والمجلات في ثلاثينيات القرن الماضي. وفي بداية الأربعينيات عمل رئيساً لتحرير صحيفة (صوت السودان) وهي الصحيفة التي كانت واحدة من منارات الفكر والوطنية. وفي مطلع عام 1945 تقدم بطلب للسلطات الاستعمارية لاصدار صحيفة (الجهاد) فرفضت السلطات بحجة ان باعة الصحف ينادون بالجهاد حيث يودون الاشارة اليها للقراء. فكان اسم (الرأى العام) هو الاسم الذي اختاره من بين صحف كثيرة، فوافقت السلطات على الاسم. وظلت الرأى العام واحدة من منارات العلم والثقافة والفكر، وبها ظهرت للوجود الصحافي السوداني اول صفحات متخصصة في شؤون الخدمات وشكاوى المواطنين والرياضة وصفحات للمرأة. قال بالحرف الواحد في مذكراته: «بدأت نشاطى وانا طالب في كلية غردون التذكارية بالفصل الثاني في عام 1928م، واشتركت في جمعية أبو روف الأدبية». ونقل في مطالع العقد الثالث من القرن الماضي الى ودمدني فأسس مع خمسة من الخريجين فيها (جمعية ودمدني الأدبية). وساهم إسماعيل العتباني مساهمة فعالة حين أسس صحيفة «الرأى العام» في التنوير بعدد من هموم المواطن والوطن. فكتب ناقداًَ العادات الاجتماعية غير الحميدة. ومن ذلك الخفاض الفرعوني وظاهرة طول ليالي وايام المأتم والصرف البذخي في مناسبات الزواج. وداخل صحيفة «الرأى العام» وجد القراء متنفساً صادقاً لقضاياهم. وفي هذا تعتبر صحيفة «الرأى العام» هي اول صحيفة سودانية تخصص صفحة يومية للقراء بعنوان (بأقلام القراء) فصارت منبراً لكل السودانيين، فكان العامل والطالب والموظف وربة المنزل والوزير جميعهم يكتبون في صفحة واحدة. وحين دعا داعي التحرك لتأسيس مؤتمر الخريجين في عام 1937م كان الاستاذ اسماعيل العتباني هو الشخصية التي حضرت من ود مدني للخرطوم للقاء اعضاء نادي الخريجين بام درمان واقناعهم بفكرة المؤتمر. وسخر المرحوم قلمه وقلم الصحافيين بصحيفة «صوت السودان» للدعاية لمؤتمر الخريجين، فكان نعم الداعم لتكوين هذا الكيان الوطني المؤثر في تاريخ السودان. وحين تم تأميم الصحف في مارس 1970م لزم الاستاذ داره بعد أن ادى دوراً خالداً في جانبي الحراك الوطني وتأسيس صحيفة قدمت الكثير للوطن. وقبيل وفاته في 2009م كتب (مذكرات مودع) سكب فيها جميع ما لديه من ذكريات ومواقف، فكانت وفاته في 2009م بعد عمر حافل بالعمل والتجرد من أجل الوطن.