الاثنان لهما الباع الأكبر في نشوء حركة الغناء في السودان. ولولا ارتباطهما ببعضهما البعض لكان حال الغناء في بداياته التي شهدها في مطلع الثلاثينيات. الفارق بينهما سبع سنوات. فالعبادي مولود في عام 1894م، أما سرور فكان ميلاده في 1901م. ومن مصادفات القدر ان يلتقي العبادي بشاب مفتول العضلات وهو يترنم بأهازيج الرعاة حين قيادته لأغنام بالشارع العام. وشكل إعجاب العبادي بصوت ذلك الشاب المدخل نحو علاقة استمرت لخمسة وعشرين عاماً كانت كافية لجعل فن الحقيبة يصل مرحلة الانتشار الكافية ويصبح واحدة من ضمن متلازمات العقود الأولى للسودان في القرن الماضي، وواحدة من إبداعات الذات السودانية في مجال الابتكارات الفنية والاجتماعية. وبدأ العبادي في الاهتمام بذلك الشاب الذي لم يكن غير المغني محمد أحمد سرور، فاهداه من القصائد ما كان فخراً للغناء السوداني في مرحلة الحقيبة. ومن ذلك ما لحنه سرور كأعظم الملحنين في تاريخ السودان مثل رائعته: ببكي وبنوح وأنا دمعي جاري مكتول هالكني جاري صدرك رمي البداري وأعلن منشور إداري وصرح طالب وداري.. وفال فاك وحبه خداري أكتل وفي الرشم أداري وعلى الشلاخ مداري يا الساكن غرب داري كاتلني وماك داري وتجلت ثنائية الاثنين في وجود تناغم بين الكلمة واللحن زائداً اختيار العبادي للكلمات، ويظهر ذلك واضحاً في أغنية (السايق الفيات) يا سائق الفيات عرج بي وأخد سندة بالدرب التحت تجاه ربوع هندة أوصيك قبل تبدأ سيرك داك طريقك سابق الربدة منك بعيدة جبدة. حي هندة المراد عوج بي ربوع عبدة أطوي الأرض واضرع من أفكارنا سيرك يا الفيات أسرع وبين الاثنين رحلات وأسفار وذكريات لم تكتب .. فمعاصروهما تحت الثرى وجوداً، ومن لم يعاصروهما سمعوا الكثير عن لقاءاتهما، ولكن من أسف متعاظم لم يوجد ما يفيد بالسنوات التي امتدت منذ عام 1919م وحتى 1946م عام وفاة الفنان سرور، وهي سبعة وعشرون عاماً كانت سنوات ابداع شعري ولحني وأدائي لم يوجد. والعبادي لم يكن كاتب أشعار غنائية فحسب، بل كان شاعراً قومياً واجتماعياًً، وله من الإخوانيات الشعرية ما كان منتشراً كثيراً ايام وجوده على قيد الحياة. أما سرور فقد كان ذا قدرات صوتية أهلته لغير الغناء لأشياء تتصل بفنون الصوت البشري، ومن ذلك المديح وإجادة رميات الغناء التي حتماً كان أغلبها من نصيب العبادي. وبعد رحيل سرور لم يكتب العبادي شعراً غنائياً كثيراً. ويبدو أن سنوات حياته الممتدة من يونيو 1946م تاريخ وفاة سرور وحتى وفاته في يوليو 1981م، كانت فقط في العمل بلجنة النصوص الإذاعية.. رحمهما الله.