قضية مهمة جداً مرت خلال الأيام الماضية ولم تجد حظها من التحليل العميق والقراءة الموضوعية، هي ملتقى أم جرس لقضايا الأمن والسلام بدارفور، الذي عقد في الفترة من 25 27 أكتوبر الماضي بحاضرة ولاية أنيدي الشرقية بدولة تشاد تحت رعاية الرئيس التشادي إدريس دبي، وشارك فيه السودان بوفد رفيع ضم الدكتور التيجاني السيسي رئيس السلطة الإقليمية لدارفور، والدكتور أمين حسن عمر رئيس مكتب متابعة سلام دارفور، وأهم ما خرج به هو آلية لمتابعة تنفيذ مقررات ذلك التحاور والتشاور لجهة الخروج من مأساة دارفور التي أرهقت أهلها قبل أن ترهق الحكومة، وبالتالي دارفور اليوم أحوج من أي وقت مضى للأمن والاستقرار والتنمية، وإن تطاول أمد الصراع منذ عام 2003م وحتى اليوم قد هد جسد دارفور، كما أن الحركات المتمردة نفسها قد بلغت من الفتر مبلغاً يجعلها تترك المكابرة وتجنح للسلام بعد أن أدرك الجميع الحقيقة التي كانوا قد أخذوهم عليها، وأن الحرب التي اشتعلت في دارفور التهمت جلابيبهم قبل هندام الآخرين. ويبقى من المعيب جداً أن يتحدث الرئيس التشادي إدريس دبي بتلك الصدقية وفي أكثر من موقع بضرورة حسم ملف التمردات في دارفور لمصلحة أهل دارفور وأمن المنطقة، معيب جداً أن يتجرأ شخص من خارج البيت ويتحدث عن مصلحة أهله، وتجد أهل البيت أكثر تطرفاً في تشليعه عبر سلاح المقاومة الفاشل الذي لم يحقق هدفاً منذ اندلاع شرارة التمرد وحتى اليوم سوى تكرار لتجارب تمردات فاشلة في المنطقة الإفريقية. أكون مبالغاً في الحديث إذا قلت إن مصير الحل النهائي بيد الحركات، لأن الحكومة أيضاً تمسك بطرق الحبل الأطول وبيدها القوة والشرعية التي لا أحد يملك حق انتزاعها، وبالتالي منوط بها التعامل بصدق في الإيفاء بما التزمت به سواء عبر الاتفاقيات في أبوجا والدوحة أو في الخطط وبرامج الحكومات في ولايات دارفور الخمس، لأن الالتزامات وثيقة واحدة ومتبادلة بين الجميع، والمواطن أصبح أوعى من الحكومة والمتمردين، ولا يستطيع شخص أن يراود أحلامه بأباطيل وأكاذيب حول التهميش أو ضعف التنمية. ونواب دارفور بالبرلمان دورهم ضعيف في تناولهم لقضايا التنمية بتلك الصورة الخجولة، ولا أطالبهم هنا ببطولات لكن بوقفة موضوعية وأكثر صراحة في حوار مجتمع دارفور المنتمي للحركات والموالي للحكومة، ماذا يريد السلام والاستقرار أم الحرب؟ لأن الاثنين سلوك مجتمع والأمن مسؤولية للجميع، وما يدور من احتراب متبادل سواء أكان في استهداف المدنيين أو التجار أو القوافل التجارية أو العربات الحكومية.. و «الخرطوم» و«إنجمينا» تربطهما علاقات تاريخية وأمنهما مرتبط مع بعض، وهذه حقيقة واقعة لا مجاملة فيها، ومن هذه الخصوصية لا بد من الاصغاء لإرشادات ونداءات «النسيب» دبي، واقترح على الإخوة نواب دارفور القيام بعمل مشترك وقيادة حوار شعبي بين البلدين لصالح أمن واستقرار الحدود المشتركة والقبائل المتساكنة والمنافع المتبادلة بين البلدين، لأن أي حديث عن طريق الإنقاذ الغربي وضرورة إكماله هو حديث عن طريق قاري يعبر تشاد وينتهي عند السودان في مدينة بورتسودان، وهذه منافع لشعبي البلدين، كما أن الربط الثقافي بين الخرطوم وإنجمينا ضرورة من خلال عمل ثقافي رسمي وشعبي، وفوق هذا كله ضرورة ربط البلدين بنشاط تجاري قوي وتداخل بين رجال الأعمال في البلدين لإقامة معارض تجارية مشتركة تبين مميزات كل بلد وما يتخصص فيه من منتجات، وعبر تشاد سوف تسوق الخرطوم منتجاتها إلى أوربا، لأن تشاد تربطها صداقات وعلاقات متينة مع عدد من الدول الأوربية، بجانب علاقات مميزة جداً مع بعض دول غرب إفريقيا، وكذلك السودان تربطه علاقات مميزة مع دول أوربية وعربية وآسيوية، وبمقدور تشاد أن تستفيد بالمقابل من هذه العلاقات في تنمية وتطوير علاقاتها الاقتصادية والسياسية، وعلى أية حال فإن السودان عمق حقيقي لتشاد وتشاد كذلك، والبلدان تربطهما أواصر متينة تتطلب التطور والتماسك بشكل أقوى، سواء عبر بوابة دارفور أو غيرها من المشتركات، وتجربة قوة المراقبة المشتركة كانت ناجحة جداً، واكتسبت القوات المسلحة بين البلدين مساحات عمل مشترك واسعة وتنسيقاً محكماً في تبادل المعلومات والنشاط الأمني المشترك.