تبقى قواعد حزب الأمة القومي هذه الأيام في حيرة من أمرها وهي حائرة بين مشروع المعارضة الذي يطرحه الحزب وبين حديث رئيسه السيد الصادق المهدي حول المشاركة في الحكومة ويسميها المشاركة الشاملة. كأنما جماهير حزب الأمة لعبة شطرنج بين الصادق المهدي وأسرته الكريمة من جهة، ومن يرفضون داخل حزبه فكرة المشاركة حتى ولو كانت «شاملة» من جهة أخرى. رفض الصادق المهدي المشاركة بعد اتفاق نداء الوطن في جيبوتي بينه وبين الرئيس البشير. وانشقت عن الحزب مجموعة مبارك المهدي والصادق الهادي المهدي وعابدة المهدي والزهاوي إبراهيم مالك وعبد الله مسار وغيرهم من القيادات العليا وشاركت في الحكومة بمواقع رفيعة وعديدة «مساعد رئيس ووزراء اتحاديين وولاة ووزراء بدون عضوية مجلس الوزراء ومواقع أخرى». وإذا شارك حزب الأمة القومي برئاسة السيد الصادق الآن ضمن مشاركة «شاملة» لن يجد نصف ما وجدته من قبل مجموعة مبارك المهدي والصادق الهادي المهدي. نعم بتلك المجموعة المنشقة شارك حزب الأمة بأكثر مما شاركت به الجبهة الإسلامية القومية في حكومته عام 1988م، وليس بالضرورة أن تسمّى مشاركة حينما يعود السيد الصادق رئيساً للوزراء بصلاحيات محدودة كما كان عام 1968م في ظل رئاسة الأزهري. وامتداداً لمجموعة مبارك المهدي يبقى تعيين عبد الرحمن الصادق المهدي مساعداً للرئيس مع نجل الميرغني. اللهم إلا إذا كان السيد الصادق يريد إشراك الشيوعيين والبعثيين، يريدها حكومة «سمك لبن تمرهندي». أي حكومة تسميم.. تُسمَّم بها البلاد بالصراعات العميقة الحادة. وما شارك الشيوعيون في سلطة إلا وكان بعد ذلك كارثة.. والتاريخ يشهد داخل السودان وخارجه. يقول نائب رئيس حزب الأمة القومي الفريق صديق محمد إسماعيل إن حزب الأمة يعمل على تحقيق التوافق على مكونات الساحة السياسية للوصول لمعالجة قضايا البلاد على أساس تحقيق التحوّل الديمقراطي. والفريق إسماعيل يعني إذن أن الديمقراطية الرابعة لم تأت بعد، وأن حزبه يريد مشاركة «شاملة» على طريقة المشاركة في حكومة نميري التي قامت على مصالحة يوم السبعات الطويلة يوم 7/7/1977م، وتلك بررها السيد الصادق المهدي بأنها كانت بهدف التقويض من الداخل، ولكن هل كان يريد أن يقول بأنه لم يكن من سدنة مايو أم بالفعل كان يقصد الغدر السياسي؟! كان حسين الهندي قد رفض تلك المصالحة قبل رحيله والمشاركة معها لكن الصادق أكل «فطيسة» مايو، ثم أصبح بعد انتفاضة أبريل التي أطاحت نميري وبعد الفترة الانتقالية سيِّد «الذبيح» عبر صناديق الديمقراطية. الآن يتحدّث نائبه عن الوصول لتفاهمات مع المؤتمر الوطني ويقول: «إن هناك تفاهمات كثيرة بيننا وبين المؤتمر الوطني تم الاتفاق عليها ورفعت إلى القيادة العليا للحزبين».. انتهى. لكن يا ترى هل من ضمن هذه التفاهمات الاعتراف بأن البلاد تمر بمرحلة الديمقراطية الرابعة، هذا من جانب حزب الأمة القومي أم الاعتراف من جانب الحكومة أن الرابعة لم تأتِ بعد وأن الانتخابات الماضية كانت فقط إجرائية ومعني بها الشريكين آنذاك المؤتمر الوطني والحركة الشعبية؟! لا ننسى أن حزب الأمة قد شارك فيها لكنه انسحب من الانتخابات بعد أن قطعت شوطاً بعيداً بعد أن استشعر إعلان الهزيمة، وقد كان قبل ربع قرن من تلك الانتخابات هو الفائز؟!! إن أهم ما في التفاهمات يكون هو أن يعترف حزب الأمة بعملية التحول الديمقراطي وحلول مرحلة الديمقراطية الرابعة أو يعلن الحزب الحاكم أن الديمقراطية الرابعة لم تأتِ وأن التحوّل الديمقراطي سوف يكون بعد مرحلة مشاركة حزب الأمة القومي في المشاركة الشاملة. فالبلاد لا ينقصها الجدال وضياع الوقت فيه، البلاد ينقصها ثورة اقتصادية للمواطن.