في أول ردة فعل رسمية إزاء تبني قوى الإجماع الوطني برنامج الحركات المسلحة الرامي لإسقاط النظام، وصف مساعد رئيس الجمهورية الدكتور نافع علي نافع، هذه التطورات من جانب تحالف أحزاب المعارضة بأنها خطوة خطيرة وقضية يجب النظر إليها على أنها عمل خطير فيه تجاوز لقانون الأحزاب عبر التنسيق أو التحالف بين جناح سياسي وآخر عسكري. وذلك بعد ساعات من إعلان تحالف قوى الإجماع الوطني بعد اجتماع ضم زعماء أحزابه الأربعاء الماضي، عن إنشاء آلية للتنسيق مع فصائل الجبهة الثورية المسلحة من أجل إسقاط النظام الحاكم في البلاد. عرض وتحليل: القسم السياسي وأضاف نافع قائلاً: «نحن كنا نعلم أن بعض الأحزاب لها صلة، لكن كونها تتجرأ وتقول إنها تتبنى برامج الجبهة الثورية التي تحمل السلاح لتغيير النظام، هذا أمر خطير يستحق أن يؤخذ على هذه الدرجة». ويجمع عدد من المراقبين على أن خطوة المعارضة تلك من شأنها أن تبرر لحزب المؤتمر الوطني الحاكم حالات جديدة من التضييق على المعارضة واعتقال قادتها، بحجة أنها تنسق مع قوى مسلحة تسعى لإسقاط النظام بالقوة العسكرية. الترابي والخطيب: وكان تحالف القوى المعارضة قد أعلن بعد اجتماع وصفه قادة المعارضة بالحاسم، عن إنشاء آلية خاصة لإدارة العلاقات مع فصائل الجبهة الثورية المتمردة للتنسيق الكامل من أجل إسقاط النظام الحاكم في الخرطوم، رافضاً شروط حزب الأمة القومي. وتأتي الخطوة في وقت توعدت فيه الحكومة متمردي الجبهة الثورية بصيف ساخن من أجل القضاء عليه بشكل نهائي. وأقرَّ اجتماع المعارضة بحضور زعيم حزب المؤتمر الشعبي د. حسن الترابي وزعيم الحزب الشيوعي محمد مختار الخطيب، رفض شروط حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي للاستمرار في التحالف، الأمر الذي ينتظر أن يعلن معه حزب المهدي الانسلاخ عن التحالف، وهي خطوة باتت هي الاحتمال الأقوى في أعقاب التطورات الأخيرة التي قادت إلى توتر العلاقة بين حزب الأمة وقوى الإجماع الوطني، ولعل من أبرز نقاط الخلاف بين حزب المهدي وتحالف المعارضة هي كيفية التعامل مع النظام القائم، فهل يتم إسقاطه بوسائل سلمية كالمظاهرات والانتفاضات الشعبية أم تُمارس عليه ضغوط سياسية بهدف تغيير سياساته؟ وإذا كان الخيار الأول هو خيار تحالف المعارضة والحركات المسلحة والجبهة الثورية بعد عجزها عن تحقيق انتصارات على الجيش السوداني، فإن الخيار الثاني «التغيير» لسياسات النظام هو أمر يتبناه حزب الأمة القومي برئاسة الصادق المهدي. إسقاط النظام: وكان الناطق الرسمي باسم تحالف المعارضة كمال عمر عبد السلام قد قال في مؤتمر صحفي بالخرطوم يوم الأربعاء الماضي، إن اجتماع رؤساء التحالف حدد موقفاً واضحاً وموحداً بشأن العلاقة مع الجبهة الثورية المتمردة، وأقرَّ التعاون معها بشكل قاطع لإسقاط النظام. وأوضح أن الاجتماع أمَّن على الإعلان السياسي الذي قدمته الجبهة إبان احتجاجات شهر سبتمر الماضي، وطالبت فيه بتوحيد المعارضة وتجاوز الخلافات حول وثيقة «الفجر الجديد» التي أثارت جدلاً العام الماضي، في وقت أشار فيه رئيس التحالف فاروق أبو عيسى، إلى أن دور حزب الأمة بوصفه فصيلاً مهم لإسقاط النظام وإضافة للتحالف، ولكن لكلٍ حدود، في إشارة واضحة إلى أن تحالف المعارضة قد وصل إلى طريق مسدود مع حزب الأمة القومي الذي يعتبره بعض قادة المعارضة «مخذلاً»، والبعض يعتبره أقرب لحزب المؤتمر الوطني أكثر من قوى التحالف المعارض. وأضاف أبو عيسى بعبارة أكثر دبلوماسية: «لا نميل لأن ينسحب الأمة، وسنعمل بكل ما يمكن معه حتى يظل عضواً فاعلاً في التحالف». المهدي.. حماس وتراجع: الصادق المهدي حتى وقت قريب كان أكثر فاعلية داخل التحالف المعارض، ويسعى لتوحيد المعارضة والحركات المسلحة في إطار ما يسميه الحل السياسي الشامل، ففي 15 أكتوبر الماضي قال رئيس حزب الأمة القومي، إن القوى المعارضة مستعدة للقاء الجبهة الثورية تحالف لحركات مسلحة حال التزامها بنهج الكفاح السلمي، وطالب بالقصاص من قتلة ضحايا الاحتجاجات الأخيرة على رفع الدعم عن المحروقات. وفي خطوة وصفها بعض المراقبين وقتها بأنها محاولة لتطييب الخواطر والتنفيس، وفي إطار الاستغلال السياسي للأجواء السائدة، أكد المهدي في خطبة عيد الأضحى بأم درمان، أنه «لن يتم السكوت عن حقوق الضحايا، وسيتم تصعيد الموقف للمنظمات الحقوقية الدولية حال الفشل في تحديد المتهمين». وطالب بالمساءلة والقصاص، عبر لجنة مختصة لا تنتمي لأجهزة المؤتمر الوطني الحاكم، وعندما تبنى المهدي هذه القضية ارتفعت أسهمه أكثر داخل المعارضة وخاصة بعدما غادر إلى كمبالا للقاء الفصائل المسلحة، وشن المهدي هجوماً عنيفاً على الحكومة والمؤتمر الوطني. وأضاف المهدي أن النظام الحالي يقف في طريق مسدود ويفتقد الشروط اللازمة لأي نظام في عالم اليوم، مؤكداً أن 20% من السكان هاجروا للخارج ومثلهم يعيشون على المعونات الإنسانية الأجنبية. وحذَّر من قيام القوى المتطلعة لنظام جديد بوسائل سلمية حركية، بحزمة من التطورات قد تبلغ الإضراب العام والعصيان المدني وتجد تجاوباً من مؤسسات الدولة. خفي حنين: وقال المهدي إن الاحتجاجات الأخيرة على رفع الدعم عن المحروقات، جعلت الجبهة تتراجع بعض الشيء لإتاحة الخيار السلمي، الأمر الذي شجع المهدي على مقابلة هذه الفصائل، إلا أنه فشل تماماً وعاد ب «خفي حنين». وأكد زعيم حزب الأمة المعارض استعداد قوى المعارضة للقاء الحركات المسلحة للقوى المكونة للجبهة الثورية، بما فيها الحركة الشعبية قطاع الشمال، حال التزامهم بنهج الكفاح السلمي ضد الحكومة في أي زمان ومكان، للتنسيق مع المعارضة من أجل الديمقراطية والحفاظ على وحدة السودان وإقرار السلام. ودعا القوى السياسية كلها للتوافق على نظام جديد سيخلف الحكومة القائمة بعد إسقاطها، مشيراً إلى أن حزبه مع إسقاط النظام وفق المعارضة السلمية بلا عنف أو استنصار بالقوى الخارجية، وأكد أن تلك الوسائل كفيلة بإسقاط الحكومة. ثم تبقى الإشارة إلى أنه إذا كانت ردة فعل المؤتمر الوطني حيال خطة المعارضة لإسقاط النظام خلال مائة يوم جاءت ساخرة ومقللة من شأن الخطة، فإن ردود الفعل هذه المرة أكثر جدية كما يظهر في تصريحات مساعد رئيس الجمهورية نافع علي نافع. خطة المائة يوم: وللربط بين ردة الفعلين نشير هنا إلى أنه في «8» سبتمبر الماضي شنّ المؤتمر الوطني الحاكم بالسودان، هجوماً عنيفاً على أحزاب المعارضة، واتهمها بالضعف والافتقار إلى آليات العمل السياسي الراشد. ووصف خطة «المائة يوم» لإسقاط النظام التي أعلنتها المعارضة في يونيو الماضي، بحصاد الهشيم. واستخفَّ عضو القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني نزار خالد محجوب بطرح المعارضة، ووصف تحالف أحزاب المعارضة بقصر النظر والبوار السياسي. وأضاف قائلاً: «المعارضة بدلاً من أن تطرح شعارات غير واقعية مثل خطة المائة يوم، كان الأجدى بها الاستجابة لدعوات الحوار الوطني التي طرحها المؤتمر الوطني في مناسبات عدة». وأشار إلى أن ما يفرق بين المعارضة أكبر مما يجمعها، لافتاً إلى تخبط تلك الأحزاب بين العمل السياسي وحركات التمرد والاستقواء بالخارج.