حفظاً لحقوق الشاعر عزمي أحمد خليل والأستاذ مجذوب أونسة الأدبية والفكرية، استميحهما عذراً أن أجعل من مطلع هذه الأغنية «دا ما سلامك ولا الكلام الكان زمان هسي كلامك» عنواناً لهذا المقال، الذي أمل أن يتقبله الأستاذ مهدي إبراهيم بصدر رحب، مع علمي أنه قد أصبح من الذين تضيق صدورهم بكل كلمة أو حتى نسمة خفيفة لا تروق لهم. ولكن بما أن الدين النصيحة، لا أبالي كثيراً إن ضاقت صدور المسؤولين بمثل هذه النصائح، سعياً لتقويم ما أعوج من عود الإنقاذ بمرور الزمن! وقد جاء في الحديث الصحيح: «خير أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم أي تدعون لهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم». فكيف إذا كان الحاكم يسخر من مواطنيه ورعاياه ويمتن عليهم؟ لقد أوردت بعض وسائل الإعلام عن الأستاذ مهدي إبراهيم القيادي الإسلامي المخضرم وزعيم الكتلة البرلمانية لنواب المؤتمر الوطني ما نصه: «قال القيادي بحزب المؤتمر ورئيس مجلس شورى الحركة الإسلامية مهدي إبراهيم: «إن رفع الدعم كان يجب تطبيقه قبل «11» عاماً ولكننا صبرنا، وحسب الجريدة قال مهدي إن أهل السودان نسوا أنهم تمتعوا بأوضاعٍ جيدة ومعتدلة في السنوات الماضية، ونحن آثرنا أن نصبر على ذلك». وإن صح ما نسب لهذا الرجل الذي ناضل من أجل السودان ضد مايو، ووقف إلى جانب زعيم الأنصار الراحل الإمام الهادي المهدي في الجزيرة أبا، وقفة بطولية يسجلها لها التاريخ، وقاد المعارضة في أكثر من موقع، عندما كانت الجبهة الوطنية تعارض حكم نميري من الخارج، وصال وجال في ساحات النضال حتى نال إعجاب الكثيرين من الذين تعاملوا معه من تنظيم الإخوان المسلمين ومن غيره، إذا صح ما نسب إليه فعلى الدنيا السلام! وسيكون ذلك مصداقاً لقول الرجل الصالح الذي وضع الأغلال على يدي ولده وقيّده عندما رأى أنه ترك حفظ القرآن وتلقي العلم وتطلع إلى كرسي السلطة؛ ولما سئل عن فعله ذلك رد بقوله: ما رأيت شيئاً أفسد لسلوك الرجل من السلطة والمال وأنشد قول الشاعر: عَلِمتَ يا مُجاشِعُ بنَ مَسعَدَه أَنَّ الشَبابَ وَالفَراغَ وَالجِدَه مَفسَدَةٌ لِلمَرءِ أَيُّ مَفسَدَة ومع أن مهدي إبراهيم قد أفنى شبابه، بشهادة زملائه ومعاصريه، في العلم والمطالعة، ها هو يغتر بالسلطة التي قد تغشي القلوب حتى يصيبها الكِبْر، خاصة إذا تطاول المكوث في كراسي السلطة، حتى يظن المرء إنما تبوأ تلك المناصب بجهده وعرق جبينه فصارت حقاً مكتسباً له! ومن المستغرب أن يقول مهدي إبراهيم هذا الكلام بعد أن تعدى مرحلة الشباب وناهز العقد السابع من عمره. يا أستاذ مهدي إبراهيم، من الذي صبر على الآخر الإنقاذ أم الشعب السوداني؟ مع العلم أن الشعارات التي رفعتها الإنقاذ في بداية عهدها وجعلت الكثيرين من الشعب السوداني يلتفون حولها ويقدمون دماء فلذات أكبادهم وأرواحهم دفاعاً عنها وذوداً عن الوطن ودفاعاً عن كرامته، قد «راحت شمار في مرقة»، وعاد الشعب إلى الوقوف في طوابير أمام المخابز بحثاً عن الخبز، والتقاوي الفاسدة تضرب موسم القمح في مشروع الجزيرة، وقوات الجبهة الثورية المتمردة تعوث فساداً ونهباً وتقتيلاً للأبرياء من أهل أبو زبد وكادقلي، وفي الخرطوم وحدها يعيش ما يقارب «100» ألف من المشردين «الشماسة» ويتناسلون تحت الكباري والأنفاق و«الكوش» والبنايات غير المكتملة أو المهجورة، والأطفال اللقطاء يلقون كأعقاب السجائر وأكياس النايلون في شوارع الخرطوم، حتى ضاقت بهم دار المايقوما، وانتشر الزواج العرفي وهو الوجه الآخر للزنا، وزادت أعداد المصابين بمرض نقص المناعة المكتسبة «الإيدز»، وأصبح كثير من الشباب والطلاب يتعاطون المخدرات والحشيش والمسكرات، وارتفعت نسبة البطالة، وتدهورت قيمة الجنيه السوداني بطريقة غير مسبوقة، وصارت تكاليف المعيشة لا تطاق، مع وجود طبقة مترفة تفطر في الهيلتون وتتغدى في السلام روتانا على أنغام الموسيقى الغربية، يتزوجون مثنى وثلاث ورباع، ويمتطون صهوة السيارات الفارهة، بينما الآلاف من أساتذة الجامعات وكبار الأطباء يحزمون أمتعتهم مهاجرين إلى دول الجوار بحثاً عن لقمة عيش كريمة، بعد أن ضاقت عليهم السبل في أرض الوطن، والفساد المالي والسياسي يزكم الأنوف، والبرلمان الموقر، الذي ينبغي أن يدافع عن حقوق المواطن، يبصم على قرارات الحكومة دون إبداء رأي، ومع هذا كله يصدر عنك هذا الكلام المستفز الذي ينضح بالامتنان على شعبك الأبي الذي يستحق كل خير! ومن جانب أخر أوردت المواقع الإسفيرية خبراً مفاده «أن سويسرا قد تصبح قريباً أول دولة في العالم توزِّع مبلغاً معيناً ثابتاً من المال كراتب شهري لكل شخص يقيم على أرضها، ناهيكَ عمَّا يكسب، لتضمن بذلك ألا يقترب في البلاد أي شخص مِن خط الفقر، وإقصاء السكان إلى أبعد مسافة عن هذا الخط». ولكن هل تعلم شيخنا مهدي إبراهيم أن أكثر من 70% من الشعب السوداني يعيش الآن تحت خط الفقر بشهادة الجهات الدولية والمحلية ذات الصلة؟ وهل سمعت أن سويسرا قد امتنت على شعبها أو حتى المقيمين على أراضيها؟ أستاذ مهدي، إن السودان لم يشهد مرحلة من التدهور كما يحدث الآن، في وقت تنشغل فيه الحكومة بالشأن السياسي لدرجة تنسيها حال المواطن، فهي تعكف الآن على إجراء تعديل وزاري شغلت به الرأي العام، وتتواصل مع الأحزاب الموالية لها من أجل تقسيم المقاعد والحقائب الوزارية، بيد أن ذلك كله لا يسمن ولا يغني من جوع، والمطلوب الآن تغيير حقيقي في سياسات الدولة حتى يستقر الوضع الاقتصادي، ويزيد الإنتاج، وتتوفر فرص عمل برواتب مجزية للخريج والعامل والمهني، وتتوقف الزعازع التي تنهش جسم الوطن من كل الأطراف في الشرق والغرب والوسط وحتى أبو حمد شمالاً، وأخيراً يا أستاذ مهدي إبراهيم «الله يكضِّب الشينة»!!