فريع المحلب الفي مقامه عديَل هباله النسيم وأصبح خداره منيّل وين الساهي في ضله وضراه مقيّل دانوله الجمال وأصبح فريقه مشيّل «جامع علي التوم» إنّ التراث لا يعني فقط الشعر الشعبي والغناء والرقصات الشعبية وإنما كل ما له صلة بالإنتاج الفني الشعبي من آلات موسيقية وإيقاعات وقصص وأحاجي وأهازيج تقال في مناسبات معينة مثل مواسم الحصاد وأوقات الحرب والعمل وحتى ما تهدهد به الأم وليدها الصغير من نغمات؛ ولذلك نستطيع القول بأن التراث ه وأحد أهم مكونات الشخصية من الناحية النفسية والاجتماعية. كما أنه أحد مكونات الهوية القومية للمجتمع الذي يمثله؛ وقد يتوسع معنى التراث ليشمل اللبس والأواني ووسائل الإنتاج وغيرها من الموروث الثقافي الشعبي. ولذلك نجد أن بعض الدول تقيم مهرجانات وطنية سنوية حتى تحافظ على تراثها وتبقيه حياً في نفوس الأجيال المتعاقبة لبث القيم الإيجابية لأن التراث يربط الإنسان بالمكان والزمان وجدانياً؛ وه وبالتالي عنصر مهم من أجل الأمن القومي والوحدة الوطنية. فالسعودية مثلاً تقيم مهرجان الجنادرية كل عام ويدعى له الأدباء والشعراء والمفكرون وأهل الفن والمهتمون بالتراث من كل دول المنطقة وتعرض فيه كل ضروب التراث من شعر ورقصات وصناعات يدوية تراثية وتقدم فيه ندوات وليالي شعرية ومعرض كتاب. ما جعلني أكتب في هذا الموضوع ه وما أراه من إهمال للتراث الكردفاني خاصة في جانب الشعر والغناء من قبل أجهزة الإعلام إذ عرضت كل أقاليم السودان بضاعتها من الفن والتراث والرقصات الشعبية إلا كردفان، وخاصة شمالها، فقد ظل تراثها بعيداً عن الإعلام إلا النذر القليل مما نجده أ ونسمعه من حلقات تبث عبر الأثير من القنوات الفضائية وأحياناً الإذاعة والصحف. تحفل هذه المنطقة بتراث يتمتع بكثير من الإبداع والأصالة وه ويمثل امتداداً لما نجده من أنماط التراث في كثير من مناطق السودان المختلفة لأن كردفان تمثل سوداناً مصغّراً تجمعت فيه كل القبائل من الشمال والغرب والوسط وتمازجت واختلطت حتى أنتجت لنا هذا الذي نسميه التراث الكردفاني. عموماً، هنالك تياران من التراث الكردفاني الغنائي والفني هما تحديداً تراث البقارة الذي يمثله إيقاع المردوم لدى المسيرية والحوازمة وهذا قد نقله لنا نفر من الإخوة في فرقة فنون كردفان على رأسهم الدكتور عبد القادر سالم حتى أصبح إيقاع المردوم معروفاً ومقبولاً لدى كثير من المهتمين بالتراث والموسيقى. وفي الجانب الآخر نجد تراث الأبّالة الذي يمثله إيقاع الجراري بتسمياته المختلفة لدى قبائل كثيرة تمتد من ديار الكبابيش شمالاً مروراً بدار حامد والمجانين وحتى دار حمر. وقد قدمت فرقة فنون كردفان نماذج جيدة منه ولكنه لم يحظ بالذات القدر من الذيوع مثل المردوم؛ ذلك لأن الأخوة أمثال عبد الرحمن عبد الله وصديق عباس وأمبلينا السنوسي لم يهتموا بالأمر بالقدر المطلوب واكتفوا بالأداء دون محاولة تطوير التجربة والاهتمام بها كرسالة فنية. ولهذا عندما صدحت المطربة الرائعة نانسي عجاج بأغنية ( أندريا) من تراث دار حمر انتبه النقاد إلى قادم جديد كأنهم لم يسمعوا به من قبل. إن الشعر الغنائي في شمال كردفان بالذات يمتاز بقوة المفردة وتعدد الإيقاعات التي ربما تصل إلى ستة عشر إيقاعاً كلها مأخوذة من مشية البعير ولذلك فه ويمتلك قدرة عالية جداً على التطريب. وبالإضافة إلى ذلك فإن مواضيع هذا الشعر لا تختلف كثيراً عن تلك التي نجدها مثلاً في أغنية أم درمان أ وغناء الجعليين والبطانة لأنها تتناول قيم الشجاعة والكرم والجمال بكل معانيه المعنوية والمادية؛ كما أنها لا تبعد كثيراً في بعض جوانبها عن طنبور الشايقية خاصة إذا وضعنا في الاعتبار غناء الطنبور لدى أهلنا البديرية والجوامعة وأغاني الدلوكة في شمال كردفان. ومن الطريف أن سرور ذكر أنه في عام 1921 سمع مجموعة من أهل كردفان« دار حامد وحمر« يؤدون بعضاً من أغاني الجراري في حي العرب فأعجب بطريقتهم في الأداء واستعان بهم في بعض الحفلات وكادت تلك الحادثة أن تغير تأريخ ومسارالغناء في أمدرمان ليصبح على إيقاع الجراري الكردفاني الصرف حتى أن الشاعر إبراهيم العبادي قد نظم أغنيته المشهورة التي يقول فيها: ببكي ووبنوح وبصيح للشوفتن بتريح ولحنت على إيقاع الجراري ويلاحظ أن كلماتها لا تختلف كثيراً عن مفردات الجراري ولذلك يعد العبادي من شعراء الأبالة ولكن لا ندري لماذا لم يستمر هذا الاتجاه. ونحن بدورنا نناشد المسئولين عن الشأن الثقافي في الولاية أن يولوا هذا الجانب مزيداً من الاهتمام لأنه لا يقل إلحاحاً عن التنمية خاصة وأن كل أقاليم السودان قد أبرزت تراثها عبر وسائل الإعلام؛ ونقول للأديب والوزير الفاضل الأخ سموأل خلف الله- نظرة يا ابا خلف- وهل لنا أن نطمع في «ليالي أب قبة» الفنية على غرار ليالي أم در والثغر حتى نعيد لتراث كردفان شيئاً من الحيوية و الحضور الإعلامي.كما أتمنى أن تنشئ جامعة كردفان قسماً للدراسات الكردفانية يتولى مهمة تدوين تراثنا لأنه يعكس القيم والتقاليد التي من شأنها أن تقوي التواصل بين أفراد المجتمع.