الرسوم العالية التي يفرضها المسجل التجاري للشركات التي ترغب في العمل في السودان أمر محير ومحبط    مزمل أبو القاسم: الحاقربك في الضلام يحدرلك!!    رئيس مجلس السيادة يهنئ الرئيس الروسي بالعيد الوطني لبلاده    شركة كهرباء السودان القابضة: اعطال لتعرض محطة مارنجان التحويلية لحريق    الأحمر يواصل صفقاته الداوية و يتعاقد مع الجناح الغامبي    مجلس الأمن يطالب مليشيا الدعم السريع بإنهاء "حصار" مدينة الفاشر    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يحاول التحرش بمطربة أثناء تقديمها وصلة غنائية في حفل خاص والجمهور يستغرب من تجاوب الفنانة وعدم صدها له    مدرب ليفربول الجديد يرسم خطة "إبعاد" صلاح عن الفريق    فيروس غريب يضرب نجوم منتخب فرنسا عشية انطلاق كأس أمم أوروبا    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يحاول التحرش بمطربة أثناء تقديمها وصلة غنائية في حفل خاص والجمهور يستغرب من تجاوب الفنانة وعدم صدها له    شاهد بالصورة والفيديو.. ظهرت وهي تبادل عريسها شرب الحليب بطريقة رومانسية.. مطربة سودانية تكمل مراسم زواجها وسط سخرية جمهور مواقع التواصل    شاهد بالفيديو.. الفنانة مروة الدولية تغني لزوجها وتتغزل فيه خلال حفل بالقاهرة (قلت للحب حبابو.. سألت انت منو قال لي أنا جنابو) وساخرون: (ختر خير جنابو الخلاك تلبسي طرحة)    المريخ يبرم صفقة نيجيرية ورئيس النادي يفتح باب الحوار أمام الصفوة    ردًا على العقوبات الأمريكية.. بورصة موسكو توقف التداول بالدولار واليورو    حوار صريح مع الصادق الرزيقي وآخرين من عقلاء الرزيقات    صالون لتدليك البقر في إندونيسيا قبل تقديمها أضحية في العيد    غوغل تختبر ميزات جديدة لمكافحة سرقة الهواتف    ((هولاء رجالي فجئني بمثلهم ياجرير))    "أشعر ببعض الخوف".. ميسي يكشف آخر فريق سيلعب لصالحه قبل اعتزاله    امرأة تطلب 100 ألف درهم تعويضاً عن رسالة «واتس أب»    الدولار يسجل ارتفاعا كبيرا مقابل الجنيه السوداني في البنوك المحلية    ناشط جنوب سوداني يكتب عن فوز صقور الجديان على منتخب بلاده: (قاعدين نشجع والسودانيين يهتفوا "دبل ليهو" ولعيبة السودان بدل يطنشوا قاموا دبلوا لينا..ليه ياخ؟ رحمة مافي؟مبروك تاني وثالث للسودان لأنهم استحقوا الفوز)    القصور بعد الثكنات.. هل يستطيع انقلابيو الساحل الأفريقي الاحتفاظ بالسلطة؟    البرهان يهنئ صقور الجديان    "فخور به".. أول تعليق لبايدن بعد إدانة نجله رسميا ..!    الهروب من الموت إلى الموت    ترامب معلقاً على إدانة هانتر: سينتهي عهد بايدن المحتال    شرطة مرور كسلا تنفذ برنامجا توعوية بدار اليتيم    تُقلل الوفاة المبكرة بنسبة الثلث.. ما هي الأغذية الصديقة للأرض؟    4 عيوب بالأضحية لا تجيز ذبحها    قصة عصابة سودانية بالقاهرة تقودها فتاة ونجل طبيب شرعي شهير تنصب كمين لشاب سوداني بحي المهندسين.. اعتدوا عليه تحت تهديد السلاح ونهبوا أمواله والشرطة المصرية تلقي القبض عليهم    نداء مهم لجميع مرضى الكلى في السودان .. سارع بالتسجيل    شاهد بالفيديو.. الراقصة آية أفرو تهاجم شباب سودانيون تحرشوا بها أثناء تقديمها برنامج على الهواء بالسعودية وتطالب مصور البرنامج بتوجيه الكاميرا نحوهم: (صورهم كلهم ديل خرفان الترند)    الإمارات.. الإجراءات والضوابط المتعلقة بالحالات التي يسمح فيها بالإجهاض    إسرائيل: «تجسد الوهم»    الإعدام شنقاً حتى الموت لشرطى بإدارة الأمن والمعلومات    اللعب مع الكبار آخر قفزات الجنرال في الظلام    نصائح مهمة لنوم أفضل    إغلاق مطعم مخالف لقانون الأغذية بالوكرة    شرطة بلدية القضارف تنظم حملات مشتركة لإزالة الظواهر السالبة    التضخم في مصر.. ارتفاع متوقع تحت تأثير زيادات الخبز والوقود والكهرباء    إجتماع بين وزير الصحة الإتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    أمسية شعرية للشاعر البحريني قاسم حداد في "شومان"    عودة قطاع شبيه الموصلات في الولايات المتحدة    داخل غرفتها.. شاهد أول صورة ل بطلة إعلان دقوا الشماسي من شهر العسل    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    من هو الأعمى؟!    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مغادرة علي عثمان ونافع.. درس العقلاء
نشر في الانتباهة يوم 09 - 12 - 2013

التغيير الذي أقدم عليه حزب المؤتمر الوطنى هو الأول من نوعه فى تاريخ الإنقاذ من حيث النوعية والشمول، وأكد على حقيقة أن الانقاذ تمتلك القدرة على تجدد نفسها ويمكن أن تبدأ التغيير بنفسها ثم تقوده بشجاعة، وقد زاوجت فيه بل راعت كل زوايا التغيير والفئات الخاصة به، حيث ضربت أكثر من عصفور فى وقت واحد.
الحديث الذي يدور حول الأستاذ علي عثمان محمد طه برغم عتمته والظلام الذي يكتنفه لعدم التوضيح المبكر، فإنه لم يعد مجرد ضجة حول استقالة رجل عميق الفكرة متريثاً في تصرفاته، يحسب كلماته بدقة، ليس مجرد أنه حديث عن مغادرته لموقع حساس في رئاسة الجمهورية ظل ممسكاً به عشرات السنين وبات عراباً لعدد من الملفات أدارها بعقلية رجل صنع قصته بنفسه، فصنع له الشعب السوداني والعالم أسطورة خاصة به، نسج حوله البعض من خصومه السياسيين الاتهامات فوسموه بالدهاء والمكر تارة وبعضهم وصفه بالحنكة والتعقل، غير أن الحديث هنا حول قصة مغادرته كأدب وثقافة جديدة في الوسط السياسي ومحاولات الكثيرين نسج الحكايات والخيالات حولها، فهو بالتأكيد نشاط يدار بيقظة من جهات هو يعلمها وهي تعلم أهميته في مفاصل النظام وقيمته، فهم يريدون أن يصنعوا منها مدخلاً لتفتيت وتمزيق النظام عبر الوشاية، لكن هزمهم الذي كتب فصول قصة وسيناريو الاستقالة وصورها فى صورة المغاضبة، وأن طه خرج من القصر بعد سجال وعراك لفظي بينه والوزير كمال عبد اللطيف، ذلك القصاص الكذوب قد فشل فى حبك الإشاعة، وكان عليه أن يستعين بصديق ماهر للإعانة، وليته استعان بالأستاذ حسين خوجلي على الأقل كان أخرجها له بصورة يمكن أن تصدق أكثر من شكلها الفطير الذي خرجت به، لأن الذي يعرف كمال عبد اللطيف لا يمكن أن يصدق أنه يمكن أن يسيء الأدب أو يرفع صوته على الشيخ علي عثمان.. وتبع علي عثمان في قرار التنحي وإنهاء تمدد مفهوم الهيمنة، تبعه في ذلك شخصية تعتبر من أخطر وأصدق وأوفى قيادات الإنقاذ والحركة الإسلامية الذين دفعت بهم إلى سجال النشاط السياسي والعمل التنفيذي، وهو الدكتور نافع علي نافع ترك هو الآخر المجال للشباب كي يتقدموا، والحديث حول شخصية نافع ذو شجون سأفسح له المجال في موضع آخر برغم أنه لم يتبع قرار استقالته إشاعة مثل الحديث الكثيف حول طه، لكن السؤال مجدداً لماذا الإشاعة تلاحق علي عثمان كلما انزوى بنفسه لأخذ قسط من الراحة هو وأسرته داخل أو خارج السودان مع أن الإجازة طبيعية، لكن هناك من يجعلها غير طبيعية؟؟ هذه المرة خروج علي عثمان من القصر برغم أنه قرار متفق عليه وفق رؤية متكاملة هدفها التغيير الحقيقي في مفاصل الدولة، لكن خروجه بشكله الغامض قد أعطى فضاءً أوسع للخيال، سيما في هذا التوقيت لتوسيع دائرة تأثيراته السلبية على الدولة وتركيبة النظام والحزب الحاكم، فهي تأثيرات لا يدفعها التقليل منها أو كشف مبررات الخروج مهما كانت منطقية وموضوعية، لأنه إذا قلنا مثلاً خرج ليقدم أنموذجاً لقيادات الحزب في الزهد والتجرد، وإنه لا كبير على التغيير سواء كانت رغبة وإرادة حزب أم بطلب من بعض المتمسكين بالكرسي من قياداته بحجة أنهم يديرون ملفات لا يستطيع غيرهم إدارتها، أو أنهم قالوا لا تغيير إلا بخروج علي عثمان، فهذا يعني أن هذه القيادات غير مؤتمنة ويجب أن تخرج بقوة القرار والمنطق غير مأسوف عليها، كما أن خروج علي عثمان على النحو المفاجئ صنع ربكة ووضع مؤسسات وآليات الحزب وقواعده في امتحان عسير، فإذا فشلت في إقناعه بالعودة ولم تتمكن من إثنائه والضغط عليه، تظل هذه المؤسسات والقواعد هشة ما لم تقنع علي عثمان ونافع وغيرهما من القيادات التي ترجلت أن تجلس على دسك التخطيط الإستراتيجي والعمل السياسي الممنهج للمرحلة المقبلة وإجراء عملية فصل شبه تام بين الحزب والحكومة، وعلى المؤتمر الوطني مراجعة كثير من خطواته قبل الدخول في مضمار الانتخابات المقبلة، وإلا سيتعرض لخسارة، وأظن أنه ربما تفلح الوساطة وتخرج بتسوية سياسية معقولة تعيد الكثيرين من الذين خرجوا إلى دائرة الضوء برغم تمسك علي عثمان بموقفه بقرار التنحي والابتعاد الذي أربك المشهد داخل الحزب الحاكم، وتيار المعارضة التي حتى الآن تقف محتارة من الذي جرى داخل أجهزة المؤتمر الوطني، ويظل وجود علي عثمان ودكتور نافع على سدة الحكم أو مغادرتهما يثيران المشهد ويجعلانه في دوامة تساؤلات، وأن الجميع يغرق في بحر التساؤلات الحائرة، كيف يرفضان التجديد لهما وهما في موقع قوي، لكنهما وغيرهما يدركون أن قرار التنحي ربما يغير مسار السياسة السودانية التي أخذت منعطفاً تأريخياً، وربما أيضاً نشطت سفهاء الإشاعة من أصحاب الغرف الباردة في أوربا وأمريكا أن يواصلوا في تهريجهم وأكاذيبهم وبثها على الشبكة العنكبوتية فيصدقها من يصدقها ويكذبها من يكذبها، لكنها مضرة لا شك سيما إذا لامست مخاوف أهل السودان ومواجع سياسييه الحاكمين قبل المعارضين.. استقالة علي عثمان أو تنحي نافع على مستوى شخصيهما فهي تشبه حالتهما وسلوكهما في الترفع والزهد وشجاعتهما في مواجهة الامتحانات وترك المجال للآخرين حتى يأخذوا راحتهم في التفكير بعيداً عنهما، وبذا انضما إلى سجل قلة من الرموز والقيادات الوطنية التأريخية الذين يغادرون مواقع السلطة وهم في قمة عطائهم، وقد فعلها علي عثمان من قبل عندما تنحى للدكتور جون قرنق ليجلس على كرسيه، فهو اليوم بقرار الاستقالة يرسل رسالة حتى للمعارضة ليقول إذا كان وجودي في القصر يشكل عزلة للآخرين فهأنذا أترجل وأفسح المجال لمن يأنس في نفسه الكفاءة أن يتقدم الصفوف، ولكنني شخصياً أخشى أن يترجل كل الكبار من رموز وقيادات الإنقاذ البدريين ويتقدمهم شبابهم، بينما يرفض المعارضون أن يشاركوا شباب الإسلاميين في وطن واحد يتقاسمون فيه السلطة والنضال والترف والعوز، يجاهدون لأجله تنميةً واستقراراً.. وفي حضرة غياب الكبار أمثال علي عثمان ونافع علي نافع يجلس البشير ويرفع رأسه يفكر بعقل ناصع عن القادمين الجدد الذين ملأوا الفراغ بعدهما، برغم معرفته بهما سواء أكان الفريق بكري بصدقه ودقته أو حسبو محمد عبد الرحمن بنشاطه السياسي الحذر ومواجهته للأحداث بشجاعة نادرة، فبالتأكيد أن القادمين في سلوكهما إلى حد كبير يشبهان الرئيس البشير وهو الذي نادراً ما يتوجس من المجهول، عهدناه قدرياً ومتوكلاً متحسباً لكل شيء حتى عندما يحاول الإعلام والمنابر تبدي مخاوفها أو تحذيره من ملاحقة ما يسمى الجنائية وأنيابها في سفره وترحاله، خاصة سفره إلى الجنوب وما يخبئه سلفا كير تحت قبعته من سوء، وقتها أن البشير وفي كل هذه المرات والتوجسات يقدم بعنف ولا يخشى خسارتها لأنه زعيم من زمن آخر..
فإذا نظرنا للبروفيسور سمية أبو كشوة وزيرة التعليم العالى فإننا نجد أنها تمثل من حيث الفئة حصة المرأة، والجانب الآخر أنها جاءت من كرسي الأستاذية، اي التكنقراط، وبرغم التزامها التنظيمي الصارم لكنها متمسكة بالعمل الجامعي اكثر من النشاط الحزبي، إلى جانب وزير العلوم والتقانة والمعلومات المهندسة تهاني عبد الله، وهي متخصصة فى هذا المجال وشغلت منصب وزير دولة فى ذات الوزارة عقب سحب وزيرة الدولة السابقة عزة عوض الكريم، ومن المؤكد عملية ترفيع تهاني جاءت بعد التجربة وإظهارها قدرات أهلتها الى الموقع المتقدم، ومن المتوقع أن تحدث فيه تقدماً ملحوظاً خلال المرحلة المقبلة.
التغيير والمزاوجة بين المتقاطعات
ولعل أهم ما طرأ فى هذا التغيير هو إسناد حقيبة وزارة الداخلية للأستاذ عبد الواحد يوسف ابراهيم الموجود حالياً بجمهورية بيرو فى أمريكا الجنوبية، حيث قدم خطاب السودان في فعاليات المؤتمر العام لمنظمة اليونيدو بحضور الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس جمهورية بيرو، كما أن قرار تعيينه قطع الشكوك وأغلق باب والشائعات التى كانت تسوق للمقولات، وتفيد بأن وزارات بعينها تذهب الى جهات مخصصة والداخلية من بينها، فها هي هذه المرة تعبر السودان من الشرق الى الغرب ليتقلدها شاب كان قد أمضى طفولته متنقلاً بين فيافي ووديان دار حمر بغرب كردفان، وهو مقتدر جاء ضمن حقائب الشباب، وهو قليل الكلام كثير الفعل والأثر، وقد شغل من قبل مواقع متعددة بدأها بالتصنيع الحربي ثم محافظاً بغبيش، وحينما اعتدي عليها التمرد للمرة الثانية فى عام 27 ديسمبر 2004م كان حينها داخل مكتبه، فحمل سلاحه الشخصي وأظهر تمساكاً وصمد داخل المدينة ينسق ويدافع مع القوات النظامية الأخرى حتى انجلت المعركة، وشهد له الجميع بأنه بعد ان احرق التمرد عربته الخاصة قد امتطى عربة كارو وتنقل بها وسط الأحياء والبيوت متفقداً الجميع حاملاً جهاز هاتف الثريا، ثم انتقل معتمد لسودري بشمال كردفان، وعندما كان الهجوم على أم درمان من قوات العدل والمساواة بقيادة خلال وعبروا محليته بتلك القوات الكثيفة لم يتحرك منها شبراً، وظل بها يتلقي المعلومات ويخاطب المركز وينسق، ولم يغادر موقعه. ،بعدها انتقل وزير تخطيط عمراني ونائب والٍ بشمال كردفان، وبعدها انتقل الى المركز وزير دولة بوزارة المعادن وأميناً لأمانة دارفور بالمؤتمر الوطنى فأدارها بحنكة وقوة شخصية برغم تقاطعات دارفور السياسية والاجتماعية والأمنية، فوفق بين قياداتها ولم يسمع صوتاً ضده لا من القيادات ولا من القواعد، ثم أصبح وزيراً للدولة بالصناعة، وفى كل هذه المواقع كان أداؤه مشرفاً، وتم ترشيحه لمنصب الوالي بغرب كردفان من قبل، ويتوقع له ان يواجه بتحديات جديدة فى وزارة الداخلية باعتبارها وزارة فنية وسيادية والعمل فيها يتطلب تحسباً، لكن ربما تعينه خلفيته الأمنية الواسعة وحسه فى ان يضع الف حساب وهو يدير وزارة لا تخلو من تقاطعات، سيما أنه قبل التشكيل الوزارة نهضت حملات صحفية ورشحت بعض الاسماء لتقلد موقع الوزارة باعتبارهم شخصيات يعرفون ظروف وأوضاع الشرطة وعايشوها من قبل، لكن بوجوه بينهم يبدو أنها نالت قسطاً من الراحة لأنه ليس بعيداً عنهم بطبيعة عمله السابق فى مثل هذا الوضع.
هذا التغيير لم يعترف بالفواصل والفوارق الزمنية فى الأعمار، فقد جمع ما بين الدكتور والأكاديمي، فرح مصطفى وزير الحكم اللامركزي واحد طلابه بجامعة امدرمان الاسلامية وزير الثقافة الطيب حسن بدوي. وذلك قد مزج بين الاجيال القديمة والحديثة فيه عملية ممتدة خصوصاً في ظل ووجود كثير من المبررات، ونستطيع ان نقول ان فرح رجل متمرس وله خبرة ودراية واستلم موقع امين العاملين بالمؤتمر من الفريق صلاح قوش بعد حادثة المحاولة الانقلابية الشهيرة، وعمل قبلها وزيراً للتربية والتعليم ونائباً للوالى بجنوب دارفور، وفرح نشط جداً فى ملف دارفور، خاصة التفاوض مع الحركات، وهو عضو تفاوض الدوحة وعدد من المنابر، فوجوده بديوان الحكم اللامركزي سيسهم كثيراً فى عملية التطوير سيما انه قادم من بيت نظام اهلي وتربطه صلاة رحمية بأسرة السلطان على دينار، أما تلميذه وزير الثقافة الطيب حسن بدوي فهو من مواليد جنوب كردفان مدينة كادقلى 1976م، ودرس بها مراحله الدراسية الاولى، ثم انتقل واكمل تعليمه العام بدار السلام جبل الأولياء، وتخرج في كلية الشريعة والقانون بجامعة ام درمان الاسلامية، ثم حصل ماجستير القانون من جامعة النيلين، ومارس مهنة المحاماة وتدرج فى العمل التنظيمي، حيث كان مسؤول طلاب الجنوب بالمؤتمر الوطنى، وأمين المنظمات باتحاد الشباب ثم المؤتمر الوطنى بولاية الخرطوم، وأميناً للتدريب وعضو مكتب قيادى بولاية الخرطوم، ونائب رئيس اللجنة السياسية بجبال النوبة، واول موقع تنفيذي شغله الطيب كانت رئيساً للمجلس الاعلى للشباب والرياضة، ثم وزيراً للشباب والرياضة، وهو لطيف فى تعامله ومتواضع ويقيم حتى الآن فى أطراف الريف الجنوبي بأم درمان «صالحة هجيليجة» فقد اظهر قدرات كبيرة فى ملف العمل التنفيذي اهله الى التقدم، كما انه يمثل كتلة النوبة وجنوب كردفان فى محاصصة الحكومة الاتحادية.
واحتفى التغيير بخروج وزير الكهرباء والسدود، فقد خرج اسامة عبد الله رغم نجاحاته وصمته وعمله المخلص، وراح ضحية لمفردة التغيير والحديث المشوش عن التكويش والاستحواذ.. نعم خرج لكنه خلف اقرب الشخصيات إليه والمتشرب منه روح المثابرة والاتقان، فخلفه المهندس معتز موسى فهو كادر فني متخصص، وهو من الصغار الذين يجيدون فن التعامل مع الملفات الحساسة، ومنذ مراحله الدراسية كان متميزاً أكاديمياً، وكان اسامة عبد الله يثق فيه ويعتبره أحد أبنائه ويسند إليه امر المفاوضات والتعاقدات الخاصة بالكهرباء والبنية التحتية الخاصة بها، ومعتز من الشباب المقرب وتربطه صلة رحمية برئيس الجمهورية، وكان دبلوماسياً بالخارجية، لكن اسامة فرغه لادارة التخطيط والمشروعات بوحدة تنفيذ السدود، ومن هذا لا يتوقع ان يخرج من الاطار والفريم الذي رسمه أسامة عبد الله، ويتوقع ان يمضي على طريقه.
أما وزير المالية الجديد بدر الدين محمود عباس، فهو كادر اقتصادي معروف، وولد بود مدني لكن تعود جذوره الى نهر النيل، وشغل فى السابق منصب مدير مكتب دكتور عوض الجاز عندما كان وزيراً للتجارة، ثم عاود العمل فى القطاع المصرفي إلى ان بلغ منصب نائب مدير البنك المركزي، وهو رجل مهتم بالنشاط الاقتصادي، ونشط ومين فى أدائه العام، ولقربه من ملفات الاقتصاد يتوقع منه أحداث نقلة فى الوزارة وتنشيط وتنمية بنية مصادر الاقتصاد الوطني.
وأحمد محمد صادق الكارورى الذي أسندت له وزارة المعادن، وقد شغل قبلها وزير دولة بالسدود والكهرباء، ولديه اهتمامات رياضية ومجتمعية آخرها كان ضمن كتيبة مجلس إدارة نادي الهلال للرياضي، وهو ليس بعيداً عن ملف الوزارات الحيوية التى يعول عليها، كما انه كثيراً ما يعيش الدور التوافقي ولا يميل إلى الخصومات والمواجهات، ومتوازن جداً فى تصرفاته منذ أن كان يعمل فى المنسقية العامة للخدمة الوطنية.
وهناك جملة من التعديلات الجديدة فى مواقع وزراء الدولة التى أسندت لوجوه جديدة من قطاعات الشباب والطلاب، أبرزهم الاستاذ ياسر يوسف أمين الاعلام والقيادي الشاب بالحزب الذي اسهم فى صعود نجوم كثيرة، بعد أن منح قيادة الحزب بعد تقلده الثقة فى قطاع الشباب لادارته للعديد من الملفات بقدرات حكيمة، وياسر كان مديراً للمركز القومي للإنتاج الاعلامي لسان حال قطاع الطلاب، ثم انتقل إلى موقع أمين عام اتحاد الشباب الإفريقي، وشغل عدة تكاليف تنظيمية، وكان قد عمل بالادارة السياسية بالتلفزيون القومي، وعندما جاء غندور أميناً لإعلام بالحزب جاء به نائباً له، لكنه أظهر قدرات ومهارات ونسج علاقات متينة مع قطاع الإعلام بوسائطه المختلفة، وقد أهله ذلك لأن يصبح أمين إعلام وناطقاً باسم الحزب، ويتوقع أن يمضي فى عطائه سيما أن هناك تداخلاً بين ملفات الإعلام، وضمن كتيبة الشباب فى حقائب وزراء الدولة الفتي القادم من شرق السودان وزير الدولة بالطرق والجسور والنقل أوشيك محمد طاهر، وهو ربما اصغرهم سناً وكان رئيساً لاتحاد طلاب البحر الأحمر ثم عضو تشريعي البحر الأحمر عن دائرة سنكات التى انتقل منها الى البرلمان القومي، وكان عضواً بالمجلس الوطني ليشغل موقع رئيس لجنة الطرق والجسور وفى الموقع، وقد اصطحبته فى رحلات عديدة ضمن لجنته وهم يتفقدون سير العمل فى الطرق القومية، وإبان نشاطه فى اللجنة حرك عدة ملفات منها التوفيق بين المالية ووزارة الطرق والجسور في ما يلي سداد الدفعيات الخاصة بالشركات المنفذة للطرق سيما طريق لإنقاذ الغربي الذي تعثر فى عدد من محاوره بسبب التمويل، كما كان أوشيك قد نشط اللجنة التى تبنت عدة ورش عمل خاصة بتطوير صناعة الطرق والجسور بالبلاد، وهو الآن فى الموقع قد حل مكان ابن كسلا وزير الدولة السابق محمود حامد وكيل، وهذه الخطو ة تعتبر إحلالاً لمواقع الشرق فى حصة المؤتمر الوطنى، وربما تدفع الخطوة الى الامام خاصة ان محمود وكيل قد أخذ وقتاً ليس بالقصير فى هذه الوزارة، فقد سبق له أن شغل منصب مدير عام الهيئة القومية للطرق والجسور لمدة طويلة، وقد تجاوزه التغيير الوزاري السابق، لكن معادلات هنا وهناك اعادته مرة أخرى لكن هذه المرة جرت عليه سنة الحياة.
هذا جزء يسير من التغيير الشامل الذي أجراه المؤتمر الوطنى فى مفاصله السياسية والتنفيذية، وبموجبه عاد الكبار الى الخلف وتقدم الشباب إلى الأمام فى صورة أشبه بالعودة الى نظام الأمانة العامة التى كانت تدير الحزب فى السابق مرحلة ما قبل المفاصلة، حيث كان يجلس على كراسيه الكبار ويحركون الملعب، أما اليوم فيجلس علي عثمان محمد طه ونافع على نافع وعوض الجاز على كراسي الحزب وان كانوا ليسوا فى مواقع تنظيمية وقيادية متقدمة، لكنهم بالتأكيد سوف يحركون الحزب، ويبدو ان الحزب يريد ان يتفرغ الكبار الى عملية البناء من جديد استعداداً للانتخابات المقبلة التي تأتي فى ظروف مختلفة من حيث الزمان والمكان والبيئة المحيطة بها، حتى تعود مركزية القوة للحزب وليس الدولة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.