عندما ترد مفردة التوعية ترتقي الأذهان إلى تصنيفها أمنياً بحتاً.. وفي واقع الأمر لا تخرج من هذا الفهم مهما كانت مفاهيم التحايل إلى تحويلها دون الفهم السائد للعامة وهو التوعية من الخطر... لكن دعونا نحاول جاهدين أن نحيلها مرة إلى أنها صورة من صور الوقاية والحماية المبكرة، أو باعتبارها وسيلة من وسائل منع الخطر والخطورة.. الوعي دائماً مربوط بالعقل و «العقلانية» الذي في الغالب يقود إلى السلوك المتزن والموزون المطلوب عند الضرورة والحاجة.. والكثيرون يربطون صغار السن بعدم الوعي وهو بالطبع نقصان في الخبرة الموازية للعمر رغم إيماني القاطع والجازم بأن هناك الكثيرين من كبار السن تنقصهم الخبرة بسبب عدم الوعي المربوط بالعقل وضعفه في استيعاب درجات الوعي المطلوبة. إذن نتفق في أن نسبة ارتفاع الناس وحاجتهم للتوعية وحاجتهم لها لا ترتبط بصغر السن أو كبره بل بالاثنين معاً لصغرهما عقلاً وسناً، وهذه التوعية غالباً ما تأتيهم من الآخرين الأكثر وعياً.. بل ترتفع درجة التوعية لتشمل قطاع الشباب. إذن الرقعة واسعة جداً، وهذه مباشرة تقودنا لآليات عبرها تتم هذه العملية التوعوية لهذه الشرائح.. وهي التي تبدأ بأهم آلية وهي الأسرة التي تعتبر الوعاء الحقيقي التي يجب أن يتلقى فيها الطفل بداية أن يكتمل وعيه لاستيعاب كل إرشادات هذه التوعية في أي مجال ترى الأسرة أنه قد آن الأوان لإنزالها له في جرعات تقيه شر الابتلاء من عدم الوعي بها.. وفي إطار الأسرة لا تخرج عن مفهوم «النصيحة» لكن العلم والعلوم «تجمِّلها» بعبارات كالتوعية والإرشاد وإلى آخره، فمثلاً على الأسرة أن تعي أن واجبها توعية صغارها بمخاطر المخدرات مثلاً ومدى خطورتها على العقول.. وما تسببه من دمار للإنسان في كل حياته وتجعلها بلا قيمة ولا معنى.. خاصة إذا وصلت درجة الإدمان فلا فكاك منها إلا عبر مراكز علاجه إن وجدت. أيضاً هناك التوعية المرورية، وربما الذي يلحظ حين ترد كلمة توعية أننا نجدها سهلة الاقتران بكلمة المرور، لأن المرور أكثر حاجة لتوعية الناس في أمره، بدايةً بعدم استخدام الموبايل خلال القيادة وعدم التوقف المباشر المفاجئ والتخطي من جهة اليمين، وكذلك ربط حزام الأمان واتباع إشارات المرور للنجاة من الحوادث، وعدم قطع إشارات المرر الحمراء وهكذا.. ثم تلعب بعدها أجهزة الإعلام دورها الفعّال القوي، حيث انتشارها لاحتضانها حتى من قبل الذين لا مأوى لهم، وهي في الغالب دون مستوى البديل للأسرة، ولا تؤدي دورها بأي حال من الأحوال خاصة دورها المتعاظم، وعندما نقول الأجهزة الإعلامية تدخل معها كل وسائل الضبط الاجتماعي كالمسيد والمسجد والمدرسة.. وأمس الأول تابعنا حضوراً من داخل قاعة حمد بمركز التنوير المعرفي، مجريات المؤتمر العلمي الذي قدمه المركز بالتعاون مع جامعة نايف للعلوم الأمنية والأكاديمية العسكرية العليا.. تحت عنوان «التوعية الأمنية» عبر الوسائل الإعلامية. وقدمت خلاله أوراق رائعة في غاية الروعة، إلا أن أكثرها اتزاناً علمياً الورقة التي قدمها دكتور عجوة من مصر، وورقة العقيد الدكتور جاسم من الإمارات شرطة دبي، والتي ترأسها العالم الجليل الفريق الدكتور العادل عاجب يعقوب.. أما في مجال أوراق الخبرة في التوعية الأمنية ومكافحة الجريمة فقد كانت ورقة الفريق أول محمد نجيب الطيب.. حيث انتقل الأخير بالحضور من النظريات إلى التطبيق والبيان بالعمل.. حول كيفية التوعية في قضايا الجريمة ومكافحتها عبر وسائل الإعلام. لكن الذي أدهشني في ورقة العقيد د. جاسم، أنه تحدث بمرارة عن معاناتهم في إيجاد وسيط إعلامي لإيصال رسالتهم دون أن يدفعوا مبالغ مالية عالية مقابل ساعة واحدة بث أثيري حول التوعية الأمنية، في الوقت الذي أعرف أن الإمارات لا تعوزها الحاجة المادية ولا الإمكانات، فالرجل يلعن الظروف عبر كلمته في المنصة التي تجعل الفجوة كبيرة بين الشرطة والمواطن هناك، لعدم امتلاك الشرطة في دبي إذاعة خاصة وأخرى مرئية كما هو الشأن هنا في السودان.. وإذا لم تكن شرطة دبي تملك إذاعة للتوعية الأمنية إذاً السودان متقدم عليها كثيراً حيث يمتلك إذاعة كاملة المواصفات تتبع لإعلام الشرطة فقط، وتعمل بكل ولايات السودان في غالبيتها، إضافة لعملها خلال دوران ساعات اليوم تقدم رسالة نحسب أنها جيدة.. بينما يلهث الإخوة في شرطة دبي لبث ساعة واحدة عبر الأثير بمبالغ خيالية «هلاَّ هلاَّ» الشرطة السودانية.. وهذا بالطبع يرفع درجات التحدي بالنسبة لنا هنا في شرطة السودان حول ما هي نوع المادة التي يجب أن نقدمها عبر هذه الإذاعة المختصة وفي ساعة القناة الفضائية بالتلفزيون القومي عبر برنامج «ساهرون».. تحد كبير يحتاج لوقفة طويلة وإستراتيجية سليمة للاستفادة من هذا «البذار» في الأجهزة الإعلامية.. لكن ما يحمد لساهرون أنها بدأت بفكرة ذكية في برنامج «الناس والشرطة» الذي استطاع أن يقلل الفجوة بين الشرطة والجمهور، وبذا حققت مقولتها الشهيرة «الأمن مسؤولية الجميع».. «إن قدر لنا سنعود».