لا تزال أصداء التشكيل الضخم الذي أجراه المؤتمر الوطني الحزب الحاكم في كابينة القيادة بالقصر الجمهوري وقبة البرلمان، فضلاً عن مجلس الوزراء هي الشغل الشاغل للوسط السياسي والإعلامي، الذي وصف الخطوة بالانقلاب، وجرت مقارنة ديسمبر 2013 بديسمبر العام 1999، الذي انقلب فيه القصر على الأب الروحي للإسلاميين وقائد ثورة الإنقاذ 1989م، وقد استغرق خروج الحكومة الجديدة للعلن وقتاً طويلاً، وراجت التكهنات باحتمالات مشاركة أحزاب المعارضة وفي مقدمتها المؤتمر الشعبي والأمة القومي خاصة عقب اللقاءات المعلنة بين الرئيس عمر البشير ورئيس الأمة الصادق المهدي، وتعدد لقاءات البشير بالأمين العام للشعبي حسن عبد الله الترابي في مناسبات اجتماعية مختلفة، وتواتر الأنباء عن لقاء غير معلن بينهما، الشيء الذي كان ينفيه الشعبي مراراً وتكراراَ. ومن أشهر لاءات النفي تلك مقولة المسؤول السياسي للشعبي كمال عمر عبد السلام «لو سكنوا معانا عديل كده لن نشارك في الحكم». وكان من الملاحظ أن عمر يكاد يكون هو القيادي الوحيد تقريباً في الشعبي الذي يتصدى لنفي تلك التسريبات الصحفية، حتى بعض رؤساء التحرير والكتاب الصحافيين تناولوا هذا الأمر كظاهرة خاصة بعمر أكثر من كونها رؤية الحزب. قضية التشكيل الوزاري دفعت أمانة الشباب بحزب المؤتمر الشعبي لتناولها في منبرها الدوري الأسبوعي الذي خاطبه كمال عمر ولفت إلى أن تطلعهم للتشكيل الوزاري كان معقوداً على حكومة تخاطب أزمات البلاد السياسية والاقتصادية، خاصة وأن الإعداد لها استغرق وقتاً طويلاً، مشفوعاً بالحديث عن اعتكاف الرئيس وأنه سيصدر قرارات مفصلية، وأضاف: كنا نحسب أن الأولوية ستكون لأزمة البلاد، ولكن اتضح لاحقاً أن الأولوية كانت لقضايا داخلية تخص الوطني نفسه. وبينما ظل الوطني ينفي أي أحاديث تشير الى أن خروج الكبار في القصر والبرلمان، وهم النائب الأول السابق علي عثمان محمد طه ومساعد الرئيس نافع علي نافع وأحمد إبراهيم الطاهر لا يخرج عن مبدأ التجديد والدفع بالسلطة لقيادات الصف الثاني والشباب، وصف عمر تلك الخطوة بأنها انقلاب كامل الدسم على الذين خرجوا. وأن الحديث عن التجديد ما هو إلا محاولة لامتصاص غضبتهم، مشيراً إلى النائب الأول للرئيس بكري حسن صالح من جيل سلفه طه، وقال إن البشير اختار بكري لتأمين موقع النائب الأول الذي يمثل إشكالات تاريخية، وعلى نحو لا يخلو من شماتة عقد عمر مقارنة بين الأمس واليوم، بقوله إن طه ونافع ووزير النفط السابق عوض الجاز ساندوا العسكر، وأردف أن المفاصلة قامت بيننا وبينهم في قضايا الحريات والشورى وشوكة الدين، فبينما أردنا شوكة الدين اتجهت إرادة تلك المجموعة لشوكة السلطة ليعود العسكر بالانقلاب عليهم ليشربوا من ذات الكأس، عبر سيطرة العسكر على الحكم، بدءاً بالنائب الأول ووزير الدفاع ووزير الدولة بالدفاع يحيى محمد خير. أما بقية التشكيل الحكومي فهو مجرد ديكور، وبوصفه رجل قانون انتقد عمر تسمية المكتب القيادي للوطني لرئيس لجنة العمل والحسبة بالبرلمان ليكون رئيساً للبرلمان، مشيراً إلى أن القانون يقتضي أن يختار البرلمان رئيسه بعد استقالة رئيسه الحالي، وقال إن هذا مما يدلل على ألا قيمة للمجلس الذي دمغه بأنه لا يعبر عن سلطة التشريع، الذي تقتضي مواءمة القوانين مع الدستور والرقابة على الأداء الحكومي. مشيراً إلى أن الدستور يتحدث عن الحرية بينما لا توجد حرية، وضرب المثل بغياب حرية العمل السياسي. وحول رؤية حزبه لحل أزمات البلاد قال إنها تكمن في حكومة انتقالية تشمل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضاء، مؤكداً أنه بخلاف ذلك فإننا لن نشارك في الانتخابات مطلقاً. وعن المعارضة قال عمر إنهم في أحسن حالتهم الآن، وأن ثورة سبتمبر مكنتهم من الوقوف على أخطائهم ومركز قوة النظام، مشيراً إلى أنهم كونوا لجنتين، الأولى معنية بدرء آثار الثورة في مجال الاحتياجات الإنسانية، والثانية تعمل في إطار التعبئة العامة عبر الندوات السياسية، بدءاً من «14» ديسمبر الجاري، وأنهم سيختارون الآليات التي تتفق مع القانون لإسقاط النظام، وسماها بالمظاهرات الشعبية. وأكد استمرارهم في علاقتهم السياسية مع الجبهة الثورية. وفي رده على أسئلة الصحافيين نفى كمال أن يكون خروج كبار القادة في الوطني مؤشراً لاشتراطات من الترابي في إطار تفاهمات بينهم والقصر، وحول عدم تعليق الترابي على الحكومة الجديدة قال إن حزبهم حزب مؤسسات، وأن حديثه يمثل رأي الحزب.