لم تحتف الحكومة حتى الآن احتفاء علنياً بعودة مدينة الفشقة المتنازع حولها مع الجارة الإثيوبية سواء من قبل الحكومة أو المزارعين إلى حضن الوطن، وإن كان البعض يرى في إعلان الرئيس البشير الموافقة الرسمية والاتفاق مع الحكومة الإثيوبية على بناء سد النهضة الإثيوبي الذي أثيرت حوله أقاويل كثيرة من تهديد للأمن القومي السوداني وإغراق للأراضي الخصبة وتهديده لوجود العاصمة تماماً إذا تم تدميره، وقد قابل هذا الخوف قلق من الجانب الآخر في شمال الوادي حيث اعترضت عليه مصر وما زال اعتراضها وقلقها قائماً من مغبة قيام السد الذي ترى فيه تجنياً على حقها التاريخي في مياه النيل. البعض يرى في إعلان الموافقة الرسمية احتفاء مغلفاً وسرياً على عودة المدينة الواقعة على الحدود في منطقة القضارف والتي تبلغ مساحتها «44» كلم مربعاً، رغم ضيق مساحتها مقارنة بمنطقة حلايب وأبيي إلا أنها تمتاز بأراضيها الخصبة واعتمادها على الأمطار في الري، حيث أنها لا تحتاج لتكاليف ري كبيرة، كما في المناطق الزراعية الأخرى. ومما يؤكد عودة المنطقة، التصريحات التي أدلى بها المعتمد أبو بكر دج بأن ترسيم الحدود بين البلدين سيتم قبل نهاية العام الحالي من خلال إيفاد خبراء للمنطقة وذلك بعد التقدم الملحوظ الذي جرى إحرازه في الاجتماعات المتعلقة بتحديد مواقع وعلامات ترسيم الحدود بين البلدين. ونتيجة لهذا التقارب السوداني الإثيوبي وتنازل الأخير طواعية للمصالح المشتركة بين البلدين والتي لم يكن آخرها موافقة السودان على بناء سد الألفية أثيرت حفيظة الجانب المصري الذي لا يزال يرى في السودان تابعاً سياسياً وجغرافياً و«علاقات أزلية» وحرام عليه النظر لما دون المصالح التي يسمونها مشتركة، وهي في الأصل مصالح مصرية بحتة نصيب السودان منها فقط الركون والطاعة العمياء ولا ينظرون له إلا بالمنظار القديم الذي سمي جزافاً الحكم الثنائي على السودان، ولا يتقبلون فكرة أنهم كانوا أداة فقط.. فكيف سيكون الرد السوداني على إثيوبيا والموقف السوداني من السد لو أن مصر عبد الناصر قد أوفت بوعدها بعودة حلايب لحضن السودان مقابل تشريد وترحيل أهالي حلفا ليقوم على رفاتهم السد العالي، ماذا تعني حلايب إذا تمت مقارنتها بحلفا؟ ولماذا يظن المصريون أن السودان قد تقوى عليهم بإثيوبيا؟ لماذا لا يدركون أن السودان فهم أصول اللعبة، وأصبح يغلب مصلحته على حساب علاقاته المسماة مكراً بالأزلية؟لماذا تتم «مصرنة» المواطنين السودانيين في حلايب وشراء الضعفاء منهم بتوفير ما تعجز الحكومة السودانية عنه للظرف الاقتصادي والسياسي والأمني من تعليم وخدمات، المواطن المصري في أشد الحاجة إليها. وبعد ذلك تغضب الحكومة المصرية لمجرد موافقة الخرطوم على ما يوفر لها الطاقة الكهربائية والماء والغذاء والري؟ أما أبيي فإن لم يتجه الجانب المصري حتى الآن للجنوب ليتقوى به على السودان وعلى إثيوبيا فلربما اتفق الرئيسان البشير وسلفا كير تجاوزاً الاستفتاء الذي قام به دينكا نوك من جانب واحد على تحويل المنطقة إلى منطقة تكامل وتواصل بعيداً عن التدويل وتأجيج الصراعات الذي بذرت بذرته الإدارة الإنجليزية، وهي التي حاولت إجبار دينكا نوك منذ الثلاثينات بقيادة زعيمهم كوال أروب الذي لم يمتثل لأوامرهم وأصر على البقاء في الشمال مع المسيرية فضلاً عن بحر الغزال .