بعد خروج المسيح الدجال، وإفساده في الأرض، يبعث الله عيسى ابن مريم عليه السلام، فينزل إلى الأرض، ويكون نزوله عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كالؤلؤ، ويكون نزوله على الطائفة المنصورة التي تقاتل على الحق، وتكون مجتمعة لقتال الدجال فينزل وقت إقامة الصلاة، يصلي خلف أمير تلك الطائفة. وقضية نزول عيسى ابن مريم عليه السلام في آخر الزمان من القضايا المحسومة في هذه الأمة، وقد أجمع عليها العلماء بناءً على ما ورد في نصوص الكتاب الكريم والسنة النبوية مما يثبت ذلك، بل إن الأحاديث التي وردت في إثبات ذلك قد بلغت حد التواتر. ومن أدلة نزوله عليه السلام من القرآن 1/قوله تعالى: «وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ «57» وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ «58» إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ «59» وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ «60» وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ «61»». فهذه الآيات جاءت في الحديث عن عيسى عليه السلام، وفيها قوله تعالى: «وإنه لَعِلْمٌ للساعة»، أي أن نزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة علامة على قرب الساعة، ويدل على ذلك القراءة الأخرى: «وأنه لَعَلَمٌ للساعة» بفتح العين واللام؛ أي علامة وأمارة على قيام الساعة، وهذه القراءة مروية عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما من أئمة التفسير. روى الإمام أحمد بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية: «وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ» قال: «هو خروج عيسى ابن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة». وقال ابن كثير: «الصحيح أنه أي الضمير عائد على عيسى؛ فإن السياق في ذكره». 2/ قوله تعالى: «وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا «157»بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا«158» وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا«159». وفي قوله تعالى: «وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا» الدلالة على أن من أهل الكتاب من سيؤمن بعيسى عليه السلام آخر الزمان، وذلك عند نزوله وقبل موته؛ كما جاءت بذلك الأحاديث المتواترة الصحيحة والتي سيأتي ذكر بعضها روى ابن جرير الطبري عن الحسن البصري أنه قال: «قبل موت عيسى، والله إنه الآن حي عند الله، ولكن إذا نزل آمنوا به جميعاً». وقال ابن كثير بعد نقله لقول ابن جرير: «ولا شك أن هذا الذي قاله ابن جرير هو الصحيح؛ لأنه المقصود من سياق الآي في تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه وتسليم من سلم لهم من النصارى الجهلة ذلك، فأخبر الله أنه لم يكن الأمر كذلك، وإنما شبه لهم فقتلوا الشبيه وهم لا يتبينون ذلك، ثم إنه رفع إليه، وإنه باقٍ حي، وإنه سينزل قبل يوم القيامة، كما دلت على ذلك الأحاديث المتواترة». ومن أدلة نزوله عليه السلام من السنة النبوية 1/ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلاً، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» ثم قال أبو هريرة:»وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا». 2/ وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ - قَالَ - فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم- فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا. فَيَقُولُ لاَ. إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ. تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الأُمَّةَ». 3/ وقال عليه الصلاة والسلام: «الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاَّتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِى وَبَيْنَهُ نَبِىٌّ وَإِنَّهُ نَازِلٌ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ». إن طريقة الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين اتباع ما دلت عليه النصوص الشرعية وتصديق خبر الرسول الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، وهذا من مقتضى شهادة أنه رسول الله فإنها تقتضي: «طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر والانتهاء عما نهى عنه وزجر وألا يعبد الله إلا بما شرع»، وقد سُطِّرت عبارات لأهل العلم والإيمان من هذه الأمة عبر القرون الماضية في شأن نزول المسيح عليه السلام في آخر الزمان وهي كثيرة جداً، أضع بين يدي إخوتي وأخواتي القراء الكرام منها ما يلي: قال الإمام أحمد بن حنبل: «أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بهم، وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة». ثم ذكر جملة من عقيدة أهل السنة، ثم قال: «والإيمان أن المسيح الدَّجَّال مكتوب بين عينيه «كافر»، والأحاديث التي جاءت فيه، والإيمان بأن ذلك كائن، وأن عيسى ينزل فيقتله بباب لُد». وقال أبو جعفر الطحاوي الحنفي: «ونؤمن بأشراط الساعة؛ من خروج الدَّجَّال، ونزول عيسى بن مريم عليه السلام من السماء». وقال القاضي عياض المالكي: «نزول عيسى وقتله الدَّجَّال حقُّ وصحيح عند أهل السنة للأحاديث الصحيحة في ذلك، وليس في العقل ولا في الشرع ما يبطله فوجب إثباته». وقال ابن كثيرالشافعي: «تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً». ثم ذكر أكثر من ثمانية عشر حديثاً في نزوله. وقال السفاريني الحنبلي: «قد أجمعت الأمة على نزول عيسى بن مريم عليه السلام ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة ممن لا يعتد بخلافهم، وقد انعقد إجماع الأمة على أنه ينزل ويحكم بهذه الشريعة». وقال الشوكاني: «فتقرر أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة، والأحاديث الواردة في الدجال متواترة، والأحاديث الواردة في نزول عيسى بن مريم متواترة». لقد حكى هؤلاء العلماء الأجلاء وغيرهم من أهل العلم قديماً وحديثاً إجماع الأمة على نزول عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان وجمع العلماء هذه الأحاديث، وأُلفت في ذلك المؤلفات الكثيرة، ومن هذه الكتب: كتاب «التصريح بما تواتر في نزول المسيح» للشيخ محمد أنور شاه الكشميري الهندي، وقد جمع خمسة وسبعين حديثاً وردت في إثبات نزول عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان. فيجب على كل مسلم ومسلمة الإيمان بذلك، ولا يُلْتَفت إلى من يشوش عليهم في ذلك من العاملين بقاعدة: «خالف لتذكر»، من مثل الترابي العقلاني وأمثاله الذين ينكرون ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة بأهوائهم وأفكارهم الخربة المتناقضة، والتي باتت مكشوفة لدى الجهال والصغار قبل العلماء والكبار، كفى الله البلاد والعباد شرهم... إن مما ثبت أيضاً في الأحاديث الصحيحة أن المسيح عيسى عليه السلام: سيحكم بالشريعة الإسلامية، فإنه مجددٌ لأمر الإسلام تابع للنبي عليه الصلاة والسلام، إذ لا نبي بعد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وقد تقدم ذكر الحديث: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ».وقول المسيح: «.. تكرمة الله هذه الأمة».وأنه: يصلي كما تقدم في الحديث، وأنه: يحج، لما روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده؛ ليُهِلَّنَّ ابن مريم بفجِّ الرَّوحاء حاجاً أو معتمراً أو ليثنيهما» ؛ أي يجمع: بين الحج والعمرة، وفج الروحاء: مكان بين مكة والمدينة سلكه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر وإلى مكة عام الفتح وفي حجة الوداع. في ختام هذه الحلقات الثلاث في بيان مجمل ما يعتقده المسلمون في نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام يتبين الضلال الكبير في اعتقاد النصارى فيه أنه ابن الله وأن الله ثالث ثلاثة تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً- وضلالهم في اعتقادهم أنه صُلب ليكفر خطيئة أكل آدم من الشجرة بزعمهم!! وهي عقائد نصرانية تخالف الشرع والعقل والفطرة. فهل يليق بك أخي المسلم وأختي المسلمة تهنئتهم بشعائرهم ومشاركتهم عيدهم الذي يعتقدون فيه هذه العقائد التي تخالف كتاب ربك ودينك.. بل كل الأديان؟!!