الاثنان كُتب عنهما الكثير، والاثنان من هدايا السماء لأهل السودان. تشابها في الكثير من الذي كان مسطوراً في حياتهما، فهما من الشخصيات التي عاشت للفن وبالفن كانت حياتهما. في جانب خليل فرح تبرز سنوات عمره القصيرة في الوجود فهو أحد الذين رحلوا باكراً في مقتبل العمر. ففي جانب حياته الأولى فقد درس خليل أفندي فرح بكلية غردون وهي التي تفتَّح فيها على عوالم الغناء والطرب.. فالتقى عبد القادر سليمان الهاوي، وهو، وفق مصادر عديدة أرَّخت للفن الغنائي السوداني، أول من عزف العود في تاريخ السودان. أما محمد وردي فقد كان من الذين أرادوا امتهان تعليم النشء فدلف نحو معهد التربية شندي فكان التقاؤه بالعديدين من أصحاب القدرات في عالم الغناء. وحين وصوله الخرطوم في منتصف الخمسينيات التقى الموسيقار علي ميرغني الذي احتضنه بحي السجانة بالخرطوم. التقى الاثنان في البقاء في داخل عوالم الفن الغنائي.. فبينما بقي الفنان خليل فرح بحي المراسلات بالخرطوم مع الأستاذ عبد القادر سليمان الهاوي تشابه وردي مع خليل فرح في بدايات حياته الفنية.. فبينما تغنى خليل فرح أولاً في نطاق ضيق لأصدقائه بكلية غردون ومن ثم انطلق نحو مجد الغناء السوداني فقد كان محمد وردي كذلك واحداً من الذين بدأوا الغناء في بداية الخمسينيات وتحديداً لشخصيات قريبة الوجود منه، حتى كان معهد التربية بشندي والذي انطلق منه نحو الإذاعة السودانية. كتب الاثنان لعدد من موضوعات الغناء الوطني، الجمال، الحسن والبهاء النسائي في حالة الاحترام والرصانة. ففي حالة خليل فرح فقد كتب للوطن غنائيات غاية العمق والجمال بل والخلود عبر الأزمان ومن ذلك: عازة مال سليت وطن الجمال وما ابتغيت بديل غير الكمال أما محمد وردي فقد تغنى للوطن بأغنيات نضيرات ومنها رائعة الشاعر مبارك بشير (أبناء السودان): سنغني لك يا وطني مثلما غنى الخليل مثلما غنت مهيرة تلهم الفرسان جيلاً بعد جيل تغنى المبدعان المدهشان خليل أفندي فرح ومحمد وردي للجمال والحسن وألم الصبابة والجوى واحتراق الفؤاد لأجل الحسن الطاغي جمالاً. فخليل فرح كتب ولحن وتغنى بأغنية (ما هو عارف قدموا المفارق) وهي أغنية اختلط فيها الحب الخالد بإحساس الفراق من ديار تلك التي بقي في منزلها ينشر الدرر الغنائية مع إحساسه بأن للوطن حقًا عليه. أما محمد وردي فقد كان أحد ناقلي إحساس الحب ألحاناً عبر كلمات إسماعيل حسن (الليلة يا سمرا)، (بعد ايه)، (أمير الحسن)، (لو بهمسة). ارتبط الاثنان بمدينتي الخرطوم وأم درمان. فبأم درمان تمكن الاثنان من التغلغل أكثر في عوالم الفن الغنائي. فخليل فرح تمكن وبحاسة الفنان من اكتشاف موقع المعرفة الشعرية لدى الشعراء فالتقى بكل من توفيق صالح جبريل والشاعر المعروف والمثقف سليمان كشه وغيرهم. أما محمد وردي فالتقى بكل من عبد الرحمن الريح الذي أهداه (أسعد أيامي) وهي الأغنية الوحيدة التي غناها محمد وردي للشاعر عبد الرحمن الريح. بأم درمان كان منزل (فوز) تلك الأديبة التي تمكنت من جمع المثقفين بدارها بالموردة فكانت أغنيات خالدات (ماهو عارف قدموا المفارق) وغيرها. أما محمد وردي فقد كان منزل العازف الأشهر للطبل الزبير محمد حسن بحي العرب مقبعاً له وبداخله كانت أغنيات خالدات لحنت وتغنى بها لأول مرة. الاثنان أتيا من مهد الحضارة السودانية الأولى منطقة أهل العلم والتمدن قبل أن يعرف الناس تفاصيل الحياة في السودان القديم قبل دخول الأتراك للبلاد.. ومن عجب فقد كانت اللغة العربية هي واحدة من اهتماماتهما فالاثنان ينطقانها أحسن من كثيرين عاشوا في محيطها.. وهما من أصحاب اللهجات المحلية.