في كل عام تدق الطبول وتعزف الأناشيد احتفالاً بعيد الاستقلال الذي تم في 1/1/1956م، واحتفاءً بعظمة الحدث، فقد كان استقلالنا مصدرًا لإلهام الكتاب والمبدعين الذين سطروا بأقلامهم إنتاجًا أدبيًا ضخمًا ظل متداولاً منذ الاستقلال إلى الآن أو قل منذ الاستعمار حيث لا ننسى أبطال الكلمة الذين ناهضوا الاستعمار أمثال خليل فرح ليمتد إنتاجاً ثرًا متواصلاً يحكي عن مناضلة السودانيين ومدى توظيفهم للكلمة احتفاءً ببزوغ فجر الاستقلال، وتزامنًا مع أعياد الاستقلال أفردنا هذه المساحة لما قُدِّم من إنتاج ادبي إبداعي فيما يتعلق بالاستقلال: مدخل ظلت الأحداث السياسية منذ بزوغ فجر الحركة الوطنية قبل وبعد الفتح الإنجليزي للسودان في العام 1898م تلهم أهل الفن شعراء ومطربين منذ قديم الزمان ليوظفوا مواهبهم الفنية لخدمة قضايا هذا الشعب والوطن، وفي مقدمة أولئك يأتي الفنان الوطني الكبير حسن خليفة العطبراوي، وقد وضع تلك القضايا الوطنية نصب عينيه وهو يرى منذ ريعان شبابه وبحسه الوطني العالي كيف كان عمال السكة الحديد في عطبرة يسيرون التظاهرات في ميدان المولد هناك ضد المستعمر الذي أرهق مناضلي المدينة وأهلها كثيراً، فكانت تلك التظاهرات هي التي ألهمته عند توظيفه لموهبته الغنائية والموسيقية توظيفاً متقدماً ليُخرج للجماهير تلك الأناشيد الخالدة التي سكنت الوجدان تماماً من خلال أكبر مجال وهي الليالي السياسية والاجتماعية بعطبرة والدامر.. فتغنى بنشيده «أنا سوداني» والذي كتبه الشاعر الأستاذ محمد عثمان عبد الرحيم: كل أجزائه لنا وطنٌ.. إذ نباهي به ونفتتنُ نتغنى بحسنه أبداً.. دونه لا يروقنا حسنُ لو هجرناه فالقلوب به.. ولها في ربوعه سكن ُ نتملى جماله لنرى.. هل لترفيهِ عيشه ثمنُ غير هذي الدماءِ نبذلها.. كالفدائي حين يُمتَحنُ بسخاءٍ بجرأةٍ بقوىً.. لا يني جهدها ولا تهِنُ تستهينُ الخطوبُ عن جلدٍ.. تلك تنهالُ وهي تتزنُ أنا سوداني أنا، أنا سوداني أنا وخليل فرح كان قد سبق الجميع... والبلابل يعدن مجد نشيد الشرف الباذخ نحن ونحن الشرف الباذخ دابي الكر شباب النيل ** من تبينا.. قمنا ربينا ما اتفاسلنا قط بقليل ده ود عمي... وده ضرب دمي إنت شنك.. طفيلي دخيل ** قوم وقوم كفاك يانايم قوم وشوف حداك ياهايم مجدك طلَّ.. وشرفك ولّى وانت تزيد... زيادة النيل كان ذلك النشيد وبلغته البسيطة يعبر عن آمال وطموحات الشعب السوداني في الاستقلال وكذلك نشيد: اليومَ نرفُع راية استقلالنا... ويسطِّرُ التاريخ ُ مولدَ شعبنا كتبه الطالب الجامعي عبد الواحد عبدالله في العام 1961م وتغنى به الموسيقار الراحل محمد وردي، النشيد لم يسبق إيقافه من البث عبر الأجهزة في كل العهود، إلا في عهد الرئيس الراحل جعفر نميري في الأعوام «1971 1973م» حين كان وردي في المعتقل السياسي بسجن كوبر إثر فشل حركة الرائد الراحل هاشم العطا العسكرية، ثم أُطلق سراح النشيد. وقد صدح الشاعر إدريس جماع بلحن الفداء فداء للوطن وقد صور السوداني على أنه محارب مقدام ضد الأعداء: إذا ردد القوم لحن الفداء وثبنا سراعًا وكنا صدى وسرنا صفوفًا نلاقي الردى ولو كان حوض الردى موردا وهنالك شعراء حملوا المشعل ليضيئوا دياجير الظلام بالكلمة والإيقاع، ومنهم الشريف زين العابدين الهندي الذي يقسم: قسمًا برب الكون رب الحسن رب الناس خالق الأنام سنسرج الظلماء من عيوننا لذلك نجد أن استقلال السودان صنعه الأدباء والفنانون. كتب ومؤلفات عن الاستقلال كما توجد كتب ومؤلفات تتحدث عن استقلال السودان من بينها نجد كتاب الدكتور موسى عبد الله حامد «استقلال السودان بين الواقعية والرومانسية» والذي أثنى عليه عدد من النقاد، وكانت الأستاذه آمال عباس قد أفردت له مساحة مقدرة في زاويتها اليومية بجريدة الصحافة. حالات كثيرة الدكتور إبراهيم اسحق قال: نستطع أن نلاحظ أنفة السودانيين أمام مذلة الاستعمار. وهنالك مقاومة المقدوم مسلّم المسبعاوي للدفتردار في كردفان والنكبة التي أوقعها المك نمر بإسماعيل باشا، فلم يكن استعمار السودان أمرًا هينًا على المستعمِر. وظلت الكرامة السودانية شامخة رغم عدم خضوع السودانيين للاستعمار المصري التركي والبريطاني. ويشهد التاريخ على الكمية الهائلة من حركات الانتفاض ضد المستعمِر خلال كل تلك الحقب. وقد سجل أدبنا حالات كثيرة لهذا الشعور بعدم الخضوع للمستعمِر، وتوجد تلك الحالات في الترسّل مثل خطاب السلطان محمد الفضل إلى محمد علي باشا، وكذلك خطابات سلاطين الفونج في هذا الشأن نفسه، وكما شارك الشعراء بأن أمدونا بهذه الأمثلة في الشعر فإن الأدب السردي السوداني مزحوم بحالات كثيرة من مقاومتنا النفسية والفعلية للمستعمِر. وهناك في «موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح نوع رفيع من الاستهانة بالمستعمِر، وحتى مصطفى سعيد بطل الرواية يوجد في بلاد المستعمِرين. واظن أن القارئ سيجد في «مهرجان المدرسة القديمة» وبعض القصص السودانية القصيرة السودانية الكثير من الاستهانة بالمستعمِرين. وتصدر هذه الأيام للسفير جمال محمد إبراهيم رواية: من هيئة الخرطوم للنشر تدور حول مقاومة أبطال 1924م : علي عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ للاستعمار الإنجليزي المصري. الأستاذ الناقد أبو عاقلة إدريس قال: لقد عانى السودان من المستعمِر لسنوات طوال حيث تمخض عن المعاناة إبداع ثر من خلال المناداة بالاستقلال وطرد المستعمر، ولقد تغنى للاستقلال كثيرٌ من المبدعين نذكر منهم على سبيل المثال مبارك المغربي الذي قال: وطني الغالي فداك دمي ساعة البأساء والضرر هذه كفي وذا قلمي يدفعان الشر بالشرر فيهما من رهبة الحمم خطر ناهيك من خطر في زمان لم يدع لفمي غير همس الخائف الحذر يا بني السودان إن لنا وطناً نفديه بالمهج ومن الشعراء الذين تغنوا للحرية والاستقلال أيضاً الشاعر أحمد محمد صالح الذي أصبح بعد الاستقلال عضواً في مجلس السيادة فنظم شعراً وطنياً وكتب السلام الجمهوري السوداني ونشيد الجيش يابني السودان هذا رمزكم يحمل العبء ويحمي أرضكم إن حيينا إنما نحيا بكم أو نمت فالفخر والمجد لكم حرروا البلاد حاربوا الفساد وابعثوا الهمم وكتب أيضاً: سر يا فتى الفتيان واضرب بالشمال وباليمين حرر من الطغيان شعباً أرهقته يد السنين