وخيط غامض يجمع كل شيء في الوجود بكل شيء.. من عرفه أقام الكتابة والإعلام ومن جهله هدم الكتابة. والخديوي في مصر يجمع «العلماء» لكتابة دستور إسلامي للحكم. واختلفوا الشافعي أبى إلا الشافعية والحنفي أبى إلا الحنفية والخديوي يطبق دستور فرنسا. والعلماء انبسطوا كانوا مخلصين.. والمسافة بين الإخلاص ومعرفة العالم كانت تنجب هذا. وإبراهيم إسحاق في رواية ممتازة يجعل والد فتاة في غرب السودان شخصية مثيرة. الرجل هناك يقع على ابنته وشاب في موقف شاذ. والرجل المخلص لدينه غاية الإخلاص يجمع العلماء والناس ليطبقوا حكم الله على ابنته. وكل احد يقطع قلبه تماماً أن تفتضح ابنته.. لكن «الإخلاص» للدين يجعل الرجل يصرخ في بنته على رؤوس الناس يسألها : هل كان ذاك مرواداً في مكحلة؟ والمسكينة «التي لم تكن فعلت» ترتجف وتتلفت لا تدري معنى مرواد في مكحلة. الإخلاص العميق للإسلام عند الناس.. والجهل العميق بالإسلام والعالم يفعل هذا. وفي التاريخ.. أيام الدفتردار في كردفان.. أحد ملوك كردفان حين يتلقى تهديد الدفتردار له للاستسلام يكتب إليه رداً يقول : حدثنا سادتنا المالكية أن السائل «يقصد الصائل» يقتل.. وأنت سائل. وكان جدل بعض السادة العلماء يومئذٍ هو : إذا نكح الخنثى نفسه وأنجب ومات .. هل يورث الابن من الأب.. أم من الأم.. فيه قولان. آآخ .. تفوو كان الدين هو هذا.. وكانت مرحلة. حرف «2» والاستعمار لم يكن هو الجنود الإنجليز والبنادق. الاستعمار كان هو ونجت الذي يدير السودان والذي يقدم «الدين» هذا للمثقفين، والمثقفون لا يرون في الدين الا«آآخ تفوو» ويرفضونه. وخطة استعمار الروح نقصها. ورموزها ونجت كان هو الذي يخرج من خيمته في المعسكر في الصباح وهو عريان تماماً ومن عنقه تتدلى «بصلة» في خيط و... الإخلاص «للدين» الإخلاص النشط هذا الذي يهدم كل شيء بإخلاص يجعل من يبصرون ما تحته يفزعون ويحاولون الحديث. والطيب صالح يكتب قصة عن النزاع الهائل بين الناس في إحدى قرى بالشمالية حين تشرع الحكومة في إقامة مرفأ لبنطون.. وطاحونة. وهذا كان يستدعي استخدام مساحة من الأرض تقع عند «ضريح» أحد الأولياء. والمعركة «دفاعاً عن الضريح» يسيل فيها الدم. والطيب يقول حزيناً «والمكان كان يتسع للضريح وللطاحونة وللمرفأ».. الرجل كان يشير إلى الزمان كله. وعبد الله الطيب يصور الاستعمار الحقيقي في جملة وهو يرسم مشهد المفتش الإنجليزي في الخرطوم الذي يدخل جامعة الخرطوم راكباً على بغلة وهو يصيح : جامئة بتائي «جامعة بتاعي.. بغلة بتاعي.. عطية ذاتو بتاعي». وعطية هو مدير الجامعة يومئذٍ. كان يعلم أنه يركب عقول المثقفين الذين سوف يقودون البلاد.. في الاستعمار الحقيقي. يومها .. وفي العالم الإسلامي كله وليس السودان كانت حرب الإخلاص المسلم الجاهل ضد الإخلاص المسلم الجاهل تثير حرباً في مصر وهي .. هل يجوز زواج الحنفي من امرأة شافعية؟! وأمهر العلماء هناك يأتي بالحل. قال: يجوز. وبقية الفتوى تقول : يعاملها معاملة.. النصرانية!! خيط دقيق يصل كل شيء بكل شيء.. من يجهله يجهل ما يجري الآن. وما يجري الآن يبدو بعيداً عن حرب المسلم ضد المسلم. لكن.. ما هو «الإرهاب» الذي يقاتله الحكام المسلمون الآن؟ ونحدث عن مراحل الشراب من نهر الجنون.. النهر الذي يصنعه الاستعمار الحقيقي. والذي نكرع منه نحن اليوم.