ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    السعودية..فتح مركز لامتحانات الشهادة السودانية للعام 2025م    كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    شاهد بالفيديو.. شباب سودانيون ينقلون معهم عاداتهم في الأعراس إلى مصر.. عريس سوداني يقوم بجلد أصدقائه على أنغام أغنيات فنانة الحفل ميادة قمر الدين    الجزائر تتفوق على السودان بثلاثية نظيفة    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    شاهد بالفيديو.. الطالب صاحب المقطع الضجة يقدم اعتذاره للشعب السوداني: (ما قمت به يحدث في الكثير من المدارس.. تجمعني علاقة صداقة بأستاذي ولم أقصد إهانته وإدارة المدرسة اتخذت القرار الصحيح بفصلي)    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    البرهان يزور تركيا بدعوة من أردوغان    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    تقارير: الميليشيا تحشد مقاتلين في تخوم بلدتين    شاهد بالصورة.. الناشط محمد "تروس" يعود لإثارة الجدل ويستعرض "لباسه" الذي ظهر به في الحفل الضجة    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    سيدة الأعمال رانيا الخضر تجبر بخاطر المعلم الذي تعرض للإهانة من طالبه وتقدم له "عُمرة" هدية شاملة التكاليف (امتناناً لدورك المشهود واعتذارا نيابة عنا جميعا)    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    مكافحة التهريب بكسلا تضبط 13 ألف حبة مخدرات وذخيرة وسلاح كلاشنكوف    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    وفاة مسؤول بارز بناد بالدوري السوداني الممتاز    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    تونس.. سعيد يصدر عفوا رئاسيا عن 2014 سجينا    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة عبد القادر ود حبوبة
نشر في الانتباهة يوم 08 - 01 - 2014

قامت ثورة عبد القادر ود حبوبة في منطقة مجلس ريفي المحيريبا بوضعها القديم والتي قسمت لثلاثة مجالس بموجب قانون الحكم المحلي لعام 1971م، هي مجلس المحيريبا ومجلس دلقا «ود حبوبة» ومجلس الربع وكل منها يسمى الآن وحدة إدارية، وكلها تقع بمحلية «محافظة» الحصاحيصا بولاية الجزيرة. والمنطقة المشار إليها تقطنها قبائل الحلاوين وهي القبيلة التي ينتمي إليها عبد القادر وتوجد أيضاً قبائل الكواهلة، الجموعية، الجعليين، المسلمية، الدباسين، العوامرة، الرفاعيين، الشكرية، العقليين، الركابية، الدناقلة، الشايقية، النوبة. ويسكن بالمنطقة عدد مقدر من الفلاتة والبرنو والهوسا مع وجود كنابي استقر فيها عدد مقدر ممن أتوا من دارفور وينتمون لعدة قبائل.. هذه هي طبيعة القبائل التي تقطن هذه المنطقة. وقد كان سكان المنطقة في ذلك الوقت يعملون بالرعي والزراعة المطرية شأنهم في ذلك شأن غيرهم من سكان الجزيرة خاصة والسودان عامة. وقد كان محمد إمام حبوبة والد عبد القادر شيخاً للمنطقة وزعيماً لقبيلته. أما من الناحية الروحية والدينية فقد كان بالمنطقة الشيخ القرشي ود الزين وهو شيخ للطريقة السمانية تتلمذ عليه الإمام محمد أحمد المهدي قبل أن يعلن مهديته وتزوج إبنته النعمة بعد وفاته وأنجب منها ابنه السيد علي المهدي. وكان يوجد بالمنطقة أيضاً الشيخ محمد ود البصير وهو الآخر شيخ للطريقة السمانية التي كان جده الشيخ أحمد ود البصير هو أول من أتى بها للمنطقة، وقد عين الشيخ محمد ود البصير فيما بعد أميراً عاماً للمهدية بالجزيرة وقد التقى به المهدي قبل أن يعلن ثورته بنحو سبعة أعوام وتزوج إبنته السرة أم المؤمنين. ويوجد الآن شارع بأم درمان يسمى باسمه وقد أدت صلة المهدي بالمنطقة قبل قيامه بثورته لالتفافها حوله وتأييدها له عند إعلان ثورته. وأذكر أيضاً على سبيل المثال من شيوخ وفقهاء المنطقة في ذلك الوقت الفكي رحمة والشيخ ود عالم والشيخ ود زروق والفقيه الزاهد الشيخ الحافظ الفكي آدم الحلاوي الذي حفظ على يديه الآلاف ونسخ بخطه الجميل عشرات المصاحف. وجدنا معلم الأجيال الفكي قسم الله المهل قنات... ألخ. هذه هي طبيعة المنطقة التي تربى فيها عبد القادر ود حبوبة والتي استطاعت بالوحدة التي تمت بين قبائلها أن تثبت أهمية الوحدة الوطنية كسلاح هام وعامل خطير في فعالية أي ثورة.
واسمه عبد القادر محمد إمام حبوبة أو حبوب ويرجع بعض الثقاة سبب هذه التسمية لأنه كانت توجد بعائلة محمد إمام امرأة متقدمة في السن يقال لها حبوبة قد تكون والدته ومن هنا صارت لفظة حبوبة أو حبوب لقباً تعرف به الأسرة، ومن هنا جاءت تسميته بعبد القادر محمد إمام حبوبة أو حبوب أما اسمه الحقيقي فهو عبد القادر محمد إمام إدريس وينتمي إلى نايل بن حلو. وفي نسبه الأدنى ينتمي إلى رحمة الذي أنجب شنينة جد إدريس الذي أنجب إمام جد عبد القادر ود حبوبة وأن بني عمومته هم أسرة مساعد وإخوانه أبو سن بقرية أبو سير وعبد الله بقرية التميد. ووالدة عبد القادر ود حبوبة هي التاية بت عبد السلام وكان والدها فارساً مغواراً. وولد عبد القادر ود حبوبة خلال العقد الرابع من القرن التاسع عشر وفي صغره التحق بالخلوة وبدأ حفظه للقرآن الكريم بقرية شرفت الحلاوين، ثم انتقل للشرفة الشريف بركات وتتلمذ هناك على أستاذة الشريف أحمد ود طه. وعمل ود حبوبة بعد ذلك بالزراعة وكان يزرع الذرة والقطن المطري الذي كان يغزل وينسج يدوياً.
وقد تعرف ود حبوبة بالمهدي بقرية طيبة الشيخ القرشي حينما كان المهدي يبني قبة لأستاذه الشيخ القرشي ود الزين، وكان عبد القادر من المشاركين في بنائها وتعرف في تلك الفترة بالمهدي عن كثب قبل أن يعلن المهدي مهديته وثورته. ولما قامت الثورة المهدية كان عبد القادر من أوائل مؤيديها وقد اتصل بالمهدي وبايعه على الجهاد والوقوف معه بصلابة وقد حضر جميع معارك المهدية وحارب فيها. وشارك عبد القادر مع أستاذه الشريف أحمد ود طه الذي حارب الحكومة التركية ليشغلها ويجزيء قوتها ويفت من عضدها في ثلاث معارك وخاصة في المعركة الشهيرة بينه وبين المستعمرين بالقرب من قرية فداسي بالجزيرة. وشارك عبد القادر في خمسة وعشرين معركة واشتباكاً حتى فتحت الخرطوم وانتصرت الثورة المهدية.
وبعد وفاة الإمام المهدي أخلص عبد القادر للثورة المهدية وظل على عهده أميناً مخلصاً في خدمتها، وقد خرج مع حمدان أبي عنجة في جيشه الذي أرسله الخليفة عبد الله على رأسه للحبشة وقد أبلى ود حبوبة بلاءً حسناً حتى رجع لأم درمان ليخلص في خدمة الخليفة عبد الله، ومما يجدر ذكره أن الخليفة كان متزوجاً إحدى بنات عبد القادر.
وعندما بعث الخليفة عبد الله الأمير عبد الرحمن النجومي علي رأس جيش لمصر كان عبد القادر من الأمراء فيه وقد أسر بمصر واستطاع التخلص من الأسر بعد فترة هو وشقيقاه عبد الباقي وحسين اللذان رافقاه في الذهاب لمصر ضمن حملة ود النجومي وتخلصوا من الأسر بمساعدة تاجر اسمه بطرس كانت تربطه صلة وثيقة وصداقة متينة بوالدهم محمد إمام، أما والدتهم التاية عبد السلام التي رافقتهم في تلك الحملة فقد استشهدت بمصر. وبعد أن تخلص عبد القادر من الأسر وعاد للسودان مر بأرض المحس وهو في طريقه لأهله بمنطقة الحلاوين وتزوج امرأة محسية أنجب منها ابنه الزين وتزوج في دنقلا العرضي زوجة أخرى دنقلاوية وأتى بزوجته الأولى لتسكن مع زوجته الثانية بدنقلا العرضي ومن المفاجآت أن زوجتيه أنجبتا في أيام متقاربة ولدين وقد سمى ابنه الذي أنجبه من زوجته المحسية الصديق والآخر الذي أنجبه من زوجته الدنقلاوية محمد. وقد رجع عبد القادر بعد ذلك لأم درمان ولأهله بمنطقة الحلاوين. وعاش أولاده الثلاثة بمنطقة الحلاوين مع أهلهم واستقروا وتزوجوا وذهب الصديق لمصر وتزوج هناك زوجة أخرى مصرية وتوفي وخلف هناك ابنه سيد صديق عبد القادر الذي ولد وعاش بمصر ويعرف في منطقة الحلاوين عندما يزور أهله بسيد المصري. وعندما قامت معركة كرري الفاصلة لم يكن لعبد القادر شرف الاشتراك فيها ورجح الكثيرون ذلك لأسباب صحية وقد حزن لعدم اشتراكه لأنه كان يتوق للشهادة ولذلك آل على نفسه أن يظل رافعاً لراية الجهاد، وعندما استقر بمنطقة الحلاوين كان يسعى لأن تظل جذوة الثورة المهدية مشتعلة وكان يعمل بالزراعة وبعد الحصاد كان يجوب المناطق المختلفة مؤدياً ومنشداً لقصائده ومدائحه التي ألفها وكانت تتحلق حوله مجموعة من المنشدين الذين يرددون معه قصائده ومدائحه. وأعلن عبد القادر أن هذه الأمة ينبغي أن تحكم حكماً إسلامياً وأن تكون الشريعة الإسلامية هي الفيصل بين الناس وأن القانون الوضعي الذي وضعه المستعمرون يجب أن ينتهي وقد عبر عن ذلك في مدحة يقول في مطلعها:
إلهي أحي للمدفون
قريباً يغطس القفنون
ربي راجي منك العون
يعلا الدين ويملأ الكون
أحي سنة المخزون
إن قلت لشي يكون فيكون
وأخذ الأنصار يلتفون حول عبد القادر وكان مجلسه دائماً حافلاً بالجلساء يتآنسون في أمورهم الدينية والدنيوية ويتلون ما تيسر من القرآن الكريم بعد أن يخلصوا من زراعتهم ويقرأون الراتب ومنشورات المهدي ويحلو لهم دائماً التحدث في الحروب التي خاضوها والمعارك التي شهدوها، فكان ذلك يؤجج الثورة في أنفسهم ويجعلهم يبغضون المستعمرين أكثر وقد أزعجت هذه التجمعات المستعمرين وأخذوا يرسلون تحذيراتهم لعبد القادر ليفض هذه التجمعات وكان بعض الوشاة يمدونهم بأخبارها ولذلك أخذ عبد القادر ينشد:
يا مواء الكفر أسود منهقل
ما كعارف الغرور منها بتنتقل
كيف تواصل أعداك يالداني الرزل
بعد ده كيف تظن عملك ينقبل
***
يا قاصد الحياة لا شك جهل
وعند أهل العقول صح ما ليك عقل
كان تساوي نوح لا بد تنتقل
وفي المضمونة ليك كيف تنشغل
***
كان أبيت لقاه بالجسم بخل
من أرضو وسماه أخير ليك محل
يا ود المرة سوي ليك حجل
أفنس الضهر وارخ إيدك تل
وكتب عبد القادر عدة رسائل لصديقه الفكي عبد الماجد «رجل الخيران» ولصديق الطرفين الفكي الطريفي أحمد وكانوا يتفاكرون حول كيفية جمع الأنصار وإبقاء شعلة المهدية مشتعلة ومجابهة ومواجهة المستعمرين، ولكن الأحداث تداعت سراعاً قبل إكمال وضع وتنفيذ المخطط الثلاثي.
وانتقل عبد القادر من أمام قرية المحيريبا وأقام هو وأصحابه معسكراً كبيراً بقرية التقر الواقعة شمال شرق المحيريبا واتفقوا على قتل أي مستعمر يأتيهم وكانوا مسلحين ويكثرون من التهليل والتكبير بعد تلاوة القرآن الكريم وقراءة الراتب ومنشورات الإمام المهدي. وقد أتاهم بمعسكرهم بالتقر المفتش الإنجليزى منكريف إسكوت ومأمور المركز محمد شريف وتوتر الجو بين الطرفين وتحدثا بلغة غاضبة أفضت لمقتل المفتش والمأمور يوم الأربعاء الموافق 29/4/1908م وكان عبد القادر يردد في تلك الأيام الأبيات الآتية:
بدور خمسمية خيول عربية
سيوف هندية ورجال قوية
وثارت ثائرة المستعمرين بعد أن سمعوا بما وقع للمفتش والمأمور وعزموا على إبادة الثوار والقضاء عليهم قضاءً مبرماً وأرسلوا أورطة اسمها أورطة 13 من ود مدني بقيادة مكوين بك وأحمد إبراهيم زادة لتقضي على الثوار وقرروا إرسال أورطة أخرى من الخرطوم لتلتقي مع هذه الأورطة في كتفية ولكنها لم تصل في الوقت المناسب. وبعد أن حل بهم الليل بعد يومين أو ثلاثة أيام من بدء مسيرة الحملة كانوا بالقرب من كتفية فآثروا المبيت ومهاجمة الأنصار صباحاً. ورأى الأنصار عندما علموا بذلك أن الفرصة سانحة لهم لينقضوا على هذه الأورطة ليلاً ويذبحوا أفرادها وهم نيام ويرجعوا لموقعهم مرة أخرى بعد أخذ أسلحة الأعداء وأرسلوا رجلاً اسمه الحسين ود من الله ليأتيهم بخبر الأورطة وعن موقعها بالضبط، وذهب الحسين وجاء بالخبر اليقين واتجه الأنصار على إثر ذلك على بركة الله متجهين لكتفية وفعلاً بدأوا في تنفيذ الخطة لأن أفراد الأورطة كانوا يغطون في نوم عميق، وكان الهجانة ينامون يمين الأورطة وقد بدأ الثوار بقتل الهجانة وذبحوا وجرحوا منهم أعداداً كبيرة ولسوء الحظ كان مكوين بك المسؤول عن إدارة المدفع ينام في الطرف وفي بعض الروايات كان نائماً بكتفية عندما تحمس عيسى محمد إمام حبوب أخو عبد القادر وهو في قمة النشوة وصاح: «الدين منصور» فاستيقظ مكوين بك على إثر سماعه لهذه الصيحات ولما رأى ما حل بأورطته فكر في إطلاق نار مدفعه على من أمامه سواء أكانوا من زملائه أو من الثوار وقد حصد المدفع أرواحاً كثيرة من الجانبين وأخيراً انجلى الموقف بتراجع الثوار وتوقف مكوين من توجيه نار مدفعه وتعتبر الصيحات التي أطلقها عيسي والتي يقول البعض إن الذي أطلقها ثائر آخر اسمه حسين السائح إبراهيم من قرية الشاوراب هي سبب نكسة الأنصار الجزئية في تلك الليلة... ولا يتسع المجال هنا لإيراد أسماء القتلى من الطرفين ولا يتسع لإيراد التفاصيل الكاملة لما جرى بعد ذلك في تلك الأيام وقفزاً فوق التفاصيل الدقيقة نصل لأن عبد القادر قد ألقي القبض عليه وأخذ للسجن بمركز الكاملين. وعقدت محاكمات لأتباع عبد القادر الذين اشتركوا معه في تلك الأحداث وأخذت أقوالهم في التحريات بواسطة أحمد إبراهيم زادة وكانت المحكمة برئاسة القاضي واسي استيري القاضي من الدرجة الأولى واليوزباشي حسن رفعت وبعد قراءة أقوال المتهمين واستجوابهم داخل المحكمة وتقديم شهود الاتهام وشهود الدفاع حكمت المحكمة علي أحمد ود ركابي وهو من قبيلة الركابية بالإعدام شنقاً حتى الموت وكذلك أصدرت حكمها على مضوي محمد إمام حبوب بالإعدام شنقاً حتى الموت وقد نفذ فيهما حكم الإعدام شنقاً بمدينة ود مدني مع مصادرة ممتلكاتها. وحكم على آخرين أيضاً بالحكم شنقاً مع مصادرة ممتلكاتهم ولكن الحاكم العام خفف وخفض عقوباتهم من الإعدام إلى التأبيد ومصادرة الممتلكات. وصدرت أحكام علي آخرين بالتأبيد مع مصادرة الممتلكات وحكم على آخرين بالسجن عدة سنوات مع مصادرة ممتلكاتهم وصادق الحاكم العام على هذه الأحكام وسجنوا وبعد أن قضوا بالسجون مدداً تتفاوت بين العشر سنوات والاثنتي عشرة سنة أفرج عنهم استجابة من الحاكم العام لالتماس ووساطة كريمة من السيد عبد الرحمن المهدي للإفراج عنهم.
أما الثائر عبد القادر ود حبوبة فقد أجريت محاكمته في الكاملين في يوم 7 مايو أمام محكمة المديرية برئاسة المستر بيكوك القاضي المدني وحكمت عليه بالإعدام ومصادرة أملاكه. وقد نفذ فيه حكم الإعدام صباح يوم الأحد الموافق 17مايو 1908م بسوق حلة مصطفى حيث كان يقام سوق الحلاوين في ذلك الوقت. وصعد عبد القادر للمشنقة في ثبات ورجولة وهو يكبر ويهلل ومن حوله النساء يزغردن لشجاعته وبسالته وقد أنشدت أخته رقية محمد إمام حبوب قصيدتها الشهيرة «بتريد اللطام أسد الخشش الذم هزيت البلد من اليمن للشام».. ألخ، وأنشدت أيضاً قصيدتها الأخرى الشهيرة «الواعي ما بوصوه من أمس الضحى توري أب زنود ساقوه يا مقنع ولياتو» ...ألخ. وإذا وضعنا خطين تحت قول رقيه الأسد النتر وقال الدين منصور لأدركنا أن دوافع عبد القادر وصحبه كانت دينية ووطنية. وأن البعض يرجع ما قام به ود حبوبة لنزاع مع أخيه حول أرض زراعية ومثل هذا النزاع عادي في كل أرجاء القطر لا سيما وأن والده كان له أبناء كثيرون وبنات كثيرات من عدد من النساء ينتمين لقبائل مختلفة، وتم تجاوز هذا النزاع العابر بينهما وتصافيا وكان عبد القادر ينفق مما يحصل عليه من محصول وفير من أموال وذرة على حركته الثورية وتجمعاته الدعوية الإنصارية وأن الذين التفوا حوله من الأنصار لا شأن لهم بهذا النزاع العابر الذي تم تجاوزه ولم يلتفوا حوله لأغراض دنيوية وأن الجذوة الدينية والروح الثورية الكامنة في أعماقهم هي التي جمعتهم حوله وهم بالإضافة إلى الحلاوين من قبائل مختلفة ربطتهم آصرة الدين والعقيدة وعلى سبيل المثال فقد شارك واستشهد معه أحمد ود ركابي وهو من قبيلة الركابية واستشهد معه جدنا الفكي أحمد عبد الله قنات وحكم بالسجن على جدنا يوسف عبد الله قنات واستشهد في كتفية جدنا أحمد محمد المنصور وهو كاهلي فتايابي من أحفاد الشيخ علي فتاي العلوم، واشترك معهم آدم التعايشي الذي أتاهم من شركيلا بكردفان، واشترك معه عثمان أحمد عثمان وهو شايقي كان يقيم بقرية شرفت الحلاوين، واشترك معه محمد عبد الله وهو ينتمي لقبيلة النفيدية، واشترك معه العجب عمر وهو من قبيل الدباسين، واشترك معه الفكي أحمد الشيخ الخضر الذي لا تجمعه بعبد القادر صلة قبيلة ولكن ربطتهم الأنصارية والعقيدة الدينية.
لقد جاء توقيت ثورة ود حبوبة متزامناً «وربما بالصدفة» مع انتفاضة مصر ضد الإنجليز بتوجيه الحزب الوطني برئاسة مصطفى كامل باشا وعقب حوادث دونشواي بمصر عام 1906م تفجرت ثورة ود حبوبة عام 1908م وهاجم الحزب الوطني المصري الحكم البريطاني بالسودان لقمعه للحركة بتلك الطريقة وقامت حملة صحفية مضادة لبريطانيا قادها عبد العزيز جاويش وغيره. وطرحت ونوقشت أحداث حركة ود حبوبة بمجلس العموم البريطاني.
وكان لمحمد إمام إدريس زعيم الحلاوين عدد كبير من الأبناء والبنات أنجبهم من زوجات كثيرات ينتمين لمختلف القبائل كما أشرت آنفاً. وكل أبنائه وبناته الآن في رحاب الله ولهم أحفاد أبناء وأحفاد وأسباط. وآخر ثلاثة رحلوا من أبناء الشيخ محمد إمام قارب عمر كل منهم مائة عام أقل أو أكثر قليلاً وهم الشيخ دفع الله محمد إمام ناظر خط الحلاوين وزعيم المنطقة والشيخ إسماعيل «كان يقيم بقرية الولي» والشيخ عبد الدافع محمد إمام وكان شيخ عرب اشتهر بالشهامة والكرم والجود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.