إن شهر ربيع الأول شهر من أعظم الشهور، وهو الذي ولد فيه أعظم إنسان، ومولده يعني مولد أعظم دين وأعظم كتاب، كما يعني مولد خير أمة أخرجت للناس «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ». ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم أي ميلاد هو.. ميلاد الرحمة لكل الخلق «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم أي ميلاد هو.. هو ميلاد القرآن والحجة والبرهان، هو ميلاد الإنسان وتكريمه من حيث أنه إنسان لا يميزه عن أخيه لون أو شكل أو نسب أو قبيلة، هو ميلاد التحرر والانعتاق والمساواة بين بني البشر، فبلال العبد بالأمس صار سيداً اليوم، وسلمان الفارسي الأعجمي رقيق الأمس صار من أهل اليت «سلمان منا أهل البيت». «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ». ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم أي ميلاد هو.. هو ميلاد الأمانة والعدل والصدق «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا» ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم أي ميلاد هو.. هو ميلاد هذه الكلمات الطيبات «ليس منا من بات شبعان وجاره جائع. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» ميلاد أحمد صلى الله عليه وسلم أي ميلاد هو.. هو ميلاد المرأة التي كانت موؤدة فأحياها «وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ .بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ.» فجعل منها مجاهدة وعالمة، فقال عن السيدة عائشة «خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء» وقوله: «استوصوا بالنساء خيراً». ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم هو ميلاد الطفل وتربيته وتعليمه والعطف عليه والرحمة به، وقيل أنه كان يطيل السجود إذا اعتلى الحسن ظهره حتى ينزل، ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم أي ميلاد هو.. هو ميلاد الحيوان الذي أمر بالرحمة عليه، وقد شكا إليه البعير فأشكاه، وعندما سئل ألنا في البهائم أجر قال: «في كل كبد رطب أجر». ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم هو ميلاد الاهتمام بالبيئة وأصحابها وعدم التبرز في الأماكن العامة وقارعة الطريق وموارد المياه وإزالة الشوك والعظم من الطريق والحفاظ على حيوانها وشجرها، وأمر ألا يقطع شجر وألا يقتل صيد إلا بقدر الحاجة، ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم هو ميلاد العمل والسعي في طلب الرزق والكسب الحلال، كما حضَّ على التجارة والتعامل بها وأمر بالصدق والصدقة،، ميلاده هو ميلاد الرياضة وبناء الأجسام وتقويتها وهو القائل: «المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف»، وكان يسابق السيدة عائشة رضي الله عنها. ميلاد محمد صلى الله عليه وسلم هو ميلاد الدين الكامل والكتاب الشامل المصدق لما قبله من الأديان والمصحح لها والمهيمن عليها الذي لم يترك شيئاً إلا وله فيه حكم، وذلك في قوله تعالى: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا»، فتلك القيم بها نحتفل وبها نفرح وعليها نشكر «قُلْ بِفَضْلِ اللَّه وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ» فأي فضل إن لم يكن ما جاء به وأية رحمة يفرح بها إن لم يكن هو، لكن المؤسف إن الأمة أضاعت الزمن في المراشقات والجدل والمسائل الفرعية الخلافية، فكفروا من بداخل حظيرة لا إله إلا الله محمد رسول الله ونفروا الراغب في الدخول بغلوهم وتشددهم وتفجيرهم، فصار الجدل في بدعة المولد أكثر من التصدي إلى الذين يسيئون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والإساءة للأموات مقدم على إصلاح الأحياء وتوعية المجتمع والحض على الفضيلة أولى من محاربة الظلم والرذيلة، والجهاد لإقامة الدولة مقدم على الاهتمام بالدعوة، فهؤلاء يعتبرون أن الاحتفال بالمولد بدعة محتجين بفعل السلف، ونقول لهؤلاء إن فعل السلف ليس ملزماً لنا ولا حجة علينا إذا حاجة المسلمين اقتضت أن يفعلوا شيئاً لم يكن السلف في حاجة إليه في ذلك الزمان، وإلا فلما الإجماع ولم القياس ولم فقه الضرورة ولما الاجتهاد. إن كان الاحتفال بالمولد لم يكن له ضرورة في سالف الزمان، فإن في هذا الزمان أصبح للاحتفال بالمولد ضرورة بعد أن صار شخص النبي صلى الله عليه وسلم هدفاً للإساءة والسب والتشهير، فالاحتفال بالمولد هو الرد الأبلغ على هؤلاء الذين سخروا لذلك القنوات وألفوا الكتب ودبجوا المقالات وأخرجوا الأفلام سباً وتجريحاً لهذا النبي ولدينه وقرآنه، وأظن هؤلاء وجدوا من بيننا من يعينهم على فعلهم هذا من الذين يتحدثون عن بدعة المولد، وأن الرسول شخصية كسائر الشخصيات التي أدت دورها وانتهت، ولا شك أن حديثهم هذا يجد مكانه عند الذين يسيئون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلنترك الخلاف وليجلس العلماء ويخرجوا لنا بكيفية للاحتفال الذي يكون خالياً من كل بدعة ولا يتصادم مع النصوص ولا تنتهك فيه حرمة ولا يتعارض مع سنة كيفية تأخذ الحسن من الاحتفالات القائمة وتترك السيئ، ويمكن للمولد أن يكون الحدث الأكبر والنداء الأعظم في العالم للتعريف بالإسلام وبنبي الإسلام، ويمكن أن يكون الاحتفال منبراً للمنافحة والدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم ودينه، كما كان يفعل حسان بن ثابت الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع له منبراً في المسجد ويقول: «نافح عن رسول الله ومعك روح القدس» »من رواية مسلم»، فالاحتفال بالمولد يمكن أن يكون منبر موعظة ومنصة دعوة ووسيلة تبليغ لغير المسلمين الذين يريدون أن يعرفوا عن الإسلام ونبي الإسلام، ولأن الاحتفال متاح للجميع الكافر والمسلم المرأة والرجل والصغير والكبير بخلاف المساجد التي لا يدخلها إلا المسلمون، يجب أن يكون الاحتفال عرضاً لسيرة واستذكار لعبرة قال الله تعالى: «لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ»، وهذا يدل على أنه لا مانع من قص القصص واستعراض السير لما فيها من مواعظ وعبر، وما أظنه مبتدع من يتحدث عن عظمائه وليس بمخالف من يستعرض قصص أبطاله وليس بمحدث من يمدح رجلاً عن عظيم أعماله أما الحديث عن الاختلاط في المولد فالاختلاط المشدد فيه هو اختلاط الخلوة من أمكنة اللهو واللعب وليس من ساحات الدعوة والمساجد وحلقات العلم والذكر، فهذا اجتماع وليس اختلاطاً، وإلا كيف نفسر اختلاط الحجيج في الطواف حول الكعبة وفي الصفا والمروة وفي الحديث: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله». نريده أن يكون احتفالاً مفتوحاً بشرطه ولكل الناس «قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ»، متى نحرك هذه الآية لتعمل، فالمولد المقترح أنسب مناسبة لإعمال هذه الآية وتفعيلها، ويمكن للاحتفال أن يكون حدثاً ينادي له كل الناس وتقدم لهم التسهيلات للسفر والحضور كما الألعاب الأولمبية وكأس العالم، ويكون مدعوماً بالعلماء والمفكرين وبكل اللغات حتى يكون لكل سؤال جواب عن الإسلام ونبي الإسلام، وفي رأينا أن الاحتفالات بصورتها الحاضرة لم تؤد الغرض المنشود الذي نقصده بالاحتفال الدعوي المقترح. ومن الملاحظات أن الدول والشعوب ليس لها دور يناسب هذه المناسبة، لكننا نظن ونعشم أن دولة قطر الصغيرة الكبيرة وأميرها وحكومتها هي الدولة الوحيدة التي يمكنها تبني هذه الفكرة ودعمها، لأنها هي أكثر الدول العربية اهتماماً بالقضايا الإسلامية والعربية، وهي مؤهلة لذلك، فهلا فعلتم هذا أيها السادة الأمراء، ومتعكم الله بالصحة والعافية، وعند الله الأجر والثواب الجزيل.