لا تزال مبادرة الإصلاح الشامل التي وردت خطوطها العريضة في خطاب الرئيس عمر البشير الأخير والحديث عن وثيقة الإصلاح، لا تزال تثير ردود فعل واسعة النطاق داخل الساحة السياسية السودانية، وبينما يرى البعض ألاَّ غبار عليها، يبدي البعض الآخر كثيراً من الشكوك حول عدم جدية الحكومة بشأنها., وقال حزب المؤتمر الشعبي المعارض الذي يتزعمه الدكتور حسن الترابي، إن وثيقة الإصلاح السياسي الشامل التي طرحها المؤتمر الوطني الحاكم والتي كشف ملامحها العامة خطاب الرئيس البشير أخيراً، تحوي مؤشرات إيجابية يمكن الانطلاق منها لإصلاح شامل، بينما دعا سياسيون المؤتمر الوطني لإزالة الانطباع السائد بعدم التزامه بما يطرحه من مبادرات. وقال القيادي بالمؤتمر الشعبي المعارض، الدكتور محمد الأمين خليفة، في منتدى سياسي حول الوثيقة الإصلاحية بالخرطوم مساء أمس الأول، إن ما جاء في وثيقة الإصلاح السياسي الشامل التي طرحها المؤتمر الوطني في خطاب الرئيس عمر البشير، تحوي عدة مؤشرات إيجابية، تتمثل في خمسة محاور أساسية تصلح مرتكزات للانطلاق منها لإصلاح شامل. وأضاف خليفة، أن خطاب الرئيس الذي حوى الوثيقة الإصلاحية، تحدث عن الحرية عبر الدستور بجدية وكلمات صادقات، وربط بين النهضة الاقتصادية والحرية والسلام، وتحدث عن القسمة العادلة للموارد المتاحة، وكل هذه إيجابيات مطلوبة. ودعا ممثلو أحزاب وخبراء، حزب المؤتمرالوطني لضرورة إزالة الانطباع السائد بعدم الجدية والالتزام تجاه مبادراته التي ظل يطرحها من حين لآخر، وتهيئة المناخ لقيادة حوار بنّاء مع الأحزاب للخروج من الأزمات. من جهتها، قالت القيادية بالمؤتمر الوطني الحاكم بدرية سليمان، إن وثيقة الإصلاح السياسي خضعت لدراسات متعمِّقة، مشيرة إلى أن ثمة تحديات على الساحة السياسية تتمثل في الإرادة السياسية وضرورة إيقاف الحرب والنزاعات واحتواء الآثار الناجمة عن الحرب، خاصة بعد الاتفاقيات التي وقعت مع دولة جنوب السودان. وفي إطار الحراك السياسي الذي انتظم الساحة السياسية بعد خطاب الرئيس البشير والدعوة لتسوية سياسية شاملة للفرقاء السياسيين، عقد زعيم المؤتمر الشعبي، حسن الترابي، ورئيس حركة «الإصلاح الآن» الدكتور غازي صلاح الدين مستشار الرئيس البشير الذي انسلخ من الحزب الحاكم قبل بضعة أشهر اجتماعاً نادراً، اتفقا فيه على التنسيق السياسي والفكري، ودفع قضايا الحُريات والوضع الانتقالي الكامل «حكومة انتقالية» والدستور، وإجراء الانتخابات وتشكيل لجان مشتركة بين الحزبين. وقال الأمين السياسي بالمؤتمر الشعبي، كمال عمر عبد السلام، إن وفد الشعبي بقيادة الترابي، وعبد الله حسن أحمد، زار مقر حركة «الإصلاح الآن» واجتمع مع رئيسها الدكتور غازي، وحسن عثمان رزق، وأسامة توفيق، وسامية هباني. وأكد أن الطرفين أمنَّا على توسيع دائرة الطواف السياسي مع كل القوى السياسية بغرض توحيدها سيمَّا وأن المرحلة المقبلة تحتاج إلى وحدة الصف الوطني، والوصول إلى حوار سياسي يُفضي إلى حلٍّ وفاقي بدلاً عن الحلول العسكرية والأمنية والعنف. ونفى غازي ما تردد عن اتفاق سري جرى بينه والترابي والبشير استباقاً للخطاب واستدعى مشاركتهما في خطاب الرئيس عمر البشير بقاعة الصداقة بالخرطوم. ولفت إلى أن بعض الناس في إطار نظرية المؤامرة، ما زالوا يعتقدون أن ما حدث من خروج الترابي من المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية ما هو إلا لعبة بعد هذه السنين الطويلة. وكان كبار معارضي الحكومة السودانية لبوا ليل الإثنين الماضي، دعوة الرئيس عمر البشير، رئيس المؤتمر الوطني، لحضور إذاعة خطابه حول الإصلاح الشامل، وشارك في المناسبة بقاعة الصداقة بالخرطوم كل من حسن الترابي والصادق المهدي زعيم حزب الأمة المعارض وغازي صلاح الدين العتباني. وقاطعت بعض مكونات تحالف المعارضة، لقاء الرئيس، ووصفت دعوة الأمانة السياسية بالوطني لبعض مكونات التحالف بالانتقائية. ووصل إلى قاعة الصداقة وقتها كل من الأمين العام للمؤتمر الشعبي حسن عبد الله الترابي، بعد سنوات من مقاطعة فعاليات الحكومة والمؤتمر الوطني، ورئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي، وغازي صلاح الدين العتباني، مؤسس حركة الإصلاح الآن المنشقة من المؤتمر الوطني بعد احتجاجات سبتمبر من العام الماضي. وفي غضون ذلك أكد تحالف «قوى الإجماع الوطني» المعارض، في بيان له قبل خطاب البشير بساعات، أن مكوناته ملتزمة بما اتفقت عليه في البديل الوطني الديمقراطي والدستور الانتقالي الذي سيحكم الفترة الانتقالية التي تعمل على تفكيك دولة المؤتمر الوطني، وإقامة انتخابات حرة ونزيهة يولِّي فيها الشعب من يولِّي لحكمه. وقالت قوى الإجماع إنها ستطرح رأيها كاملاً ومفصلاً حول ما يحتويه خطاب الرئيس في وقت لاحق. وأوضح التحالف أنه قرر عدم تلبية دعوة الاستماع لخطاب قاعة الصداقة ما عدا حزبين رأيا تلبية الدعوة، هما المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه حسن الترابي، وحزب العدالة. وتحاشى البيان الإشارة لحزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي الذي يدور جدل حول موقفه من التحالف. واتهم التحالف المؤتمر الوطني الحاكم بالتلاعب بقضايا الوطن وعدم الجدية في إخراجه من النفق المظلم الذي أدخله فيه، منوهاً إلى أن الخروج من «النفق» لا يتم إلا بالوصول مع الآخرين لتحقيق السلام والحرية والديمقراطية. وفي أول تعليق له بشأن امتناع بعض الأحزاب عن المشاركة، أكد حزب المؤتمر الوطني الحاكم، أن الدعوة للحوار الشامل التي أطلقها الرئيس عمر البشير، ستصل لكل الأحزاب، وشدد على أن الحزب الشيوعي سيتلقى دعوة للمشاركة في الحوار، وأنه لن يُعزل لعدم تلبية الدعوة الأولى. وطالب سكرتير عام الحزب الشيوعي السوداني محمد مختار الخطيب، المؤتمر الوطني بالاعتراف بأن سياساته السابقة هي التي ولدت الواقع الذي تعيشه البلاد الآن، وقال إن أولى الخطوات لتصحيح الأوضاع هي الاعتراف بالأخطاء. ودعا الخطيب، النظام الحاكم لإعطاء الشعب كل «مستحقاته» في الحرية والديمقراطية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإيقاف الحرب والاعتراف بأن القضية سياسية ويجب حلها في الإطار السياسي، وقال «لا يجب أن تسمى هذه المستحقات مفاجآت». وفي هذه الأثناء قال مسؤول العلاقات الخارجية بالمؤتمر الوطني الدرديري محمد أحمد، إن الدعوة ستصل للحزب الشيوعي للمشاركة في الحوار، منوهاً إلى أن الحوار لم يبدأ بعد، وأضاف أن عدم حضور ممثلي الحزب لخطاب الرئيس من داخل قاعة الصداقة لا يؤثر على الدعوة الموجهة له. وأكد الدرديري أن الوطني لا ينوي فرض أية رؤية حول أية قضية، وقدم الدعوة للأحزاب لحوار مفتوح دون قيد أو شرط، وأضاف: هذا من أهم ضمانات إنجاح الحوار. ودعا القوى السياسية لتقديم مقترحات إضافية للمحاور المذكورة في الخطاب، وتحديد وسائط وآليات الحوار.