تعد زيارة أي مسؤول حكومي إلى مناطق أبو سروج وسربا بغرب دارفور رسالة سياسية وأمنية غاية في الأهمية، تؤكدها مواقف سابقة للمنطقة إبان انحياز معظمها للتمرد وقطيعتها السياسية وما شهدته من مواقف عصيبة حيث المعارك العنيفة التي خاضتها القوات النظامية مع المتمردين في تلك الفيافي، ومنطقة أبو سروج ولد فيها قائد حركة العدل والمساواة الراحل خليل إبراهيم ودرس فيها مراحله الأولى وهي ذات المنطقة التي تم فيها القبض على المتمرد إبراهيم الماظ دينق الذي يقبع الآن خلف قضبان سجن كوبر، قبض عليه وهو كان يقود طوفاً إدارياً قوامه سبع عربات مجهزة جاءوا لإقناع بعض منسوبي الحركة الذين تركوا التمرد وانحازوا إلى خيارات أهلهم للعدول والعودة للميدان، ذلك بجانب سلسلة غير قليلة من المواقف المعلنة والمستترة تجعل من زيارة وزير الداخلية وأمين أمن دارفور الكبرى عبد الواحد يوسف أمس الأول إلى تلك المناطق النائية التي تبعد عشرين كيلو متراً عن الحدود السودانية التشادية من الأهمية بمكان. وهي الزيارة الوحيدة التي يقوم بها مسؤول سيادي ليخاطب حشداً جماهيراً غير مسبوق بمناسبة الاحتفال بالعيد ال «85» للاستقلال، وما قدمه الأهالي من رمزية قومية بالغة الدلالات في وحدة الصف واستلهام الماضي بتجسيد سيرة الأبطال الأوائل، كانت إدراكاً عميقاً لمغازي ومعاني المصير المشترك ممثلاً في دراما رائعة عرضت ضمن برامج الحفل، وقد استدعى الذين مثلوا الدراما خطاب الزعيم الخالد إسماعيل الأزهري عشية الاستقلال، وكانت لوحة رجالات الإدارة الأهلية شكلت ملحمة أخرى في التوافق ووحدة الصف عبوراً لكل المرارات السابقة بحكمة الشيوخ. وكان مشهداً أدمعت له العيون ورجفت له القلوب وأكدت أن إنسان تلك المنطقة رغم الظروف التي مرت به ظل ثابتاً على الثوابت الوطنية نسيجاً اجتماعياً مترابطاً وكأن التاريخ يعيد نفسه أن ذات مشهد الخيول والسيوف التى انتصرت في كرري ظهر الأهالي بها في حفل الاستقلال. كشف وزير الداخلية أمين أمانة دارفور الكبرى بالمؤتمر الوطني عبد الواحد يوسف إبراهيم عن زيارة مرتقبة لرئيس الجمهورية المشير عمر البشير إلى ولاية غرب دارفور، «كانت آخر زيارة له للولاية قبل أكثر من ثلاثة أعوام» لافتتاح عدد من المنشآت الخدمية والتنموية، وأبدى الوزير استغرابه لدعاوى قيادات بالمعارضة الذين اعتبروا خطاب الرئيس الأخير لا يحمل جديداً، وقال إن الخطاب رسم خريطة طريق للحوار مع الجميع حول قضايا السلام والحرية والعدالة والهوية، مبيناً أن السودان مستهدف في تنوعه وتمازج قبائله، وقطع بأن الناس أحرار في خياراتهم وأن الذي يجمع أهل السودان هو هويتهم، مناشداً نبذ العصبية الضيقة وقد آن أوان ألا يستعلي شخص على الآخر بعرقه أو قبيلته كل الناس سواسية وأضاف: «نحن سودانيين هذا يكفينا» وأبان أن حزبه يحترم الرأي والرأي الآخر، وامتدح عبد الواحد الذي خاطب لقاءً حاشداً أمس الأول بمحلية سربا فى غرب دارفور أنموذج الأمن والاستقرار والتعايش السلمي الذي تعيشه غرب دارفور، وقطع بعدم وجود مبرر للاجئين أو نازحين بعد اليوم، ودعاهم للعودة، مؤكداً مضي الحكومة فى بسط الأمن والاستقرار في دارفور وتوفير الإمكانيات والمعينات وكل الوسائل التي تمكن الجميع من العودة إلى قراهم والمساهمة في الاستقرار والتنمية، مشيراً إلى أن مجتمع دارفور عبر تاريخه الطويل يعتبر مجتمعاً منتجاً ولا يقبل الإغاثة من المنظمات، مطالباً بضرورة التوسع في الزراعة، وطالب المتمردين بتحكيم صوت العقل، وقال: « نمد أيادينا بيضاء لكل من يحمل السلاح بتحكيم صوت العقل وأن تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وآن الأوان بأن نضع أيادينا فوق بعض لبناء وطننا»، موضحاً أن التنمية لا تتحقق إلا بالاستقرار، داعياً إلى مجتمع متسامح ومترابط لا تفرقه قبيلة أو إثنية، وأضاف: «نحن يوم القيامة نقابل الله بأعمالنا وليس بقبائلنا أو إثنياتنا أو أحزابنا ولماذا لا نعمل لإصلاح الأرض» واعداً بعمل كبير في مجالات التنمية والخدمات وتوفير الأمن ووسائل الاستقرار، ولفت الوزير الانتباه الى متانة الشراكة بين المؤتمر الوطني وحركة التحرير والعدالة بغرب دارفور واعتبرها أنموذجاً متقدماً يستحق أن يعمم فى كل ولايات دارفور. وفد تشادي برئاسة حاكم وداي مرحلة جديدة من مراحل تطور العلاقات السودانية دشنها وزير الداخلية فى زيارته للحدود ومشاركة الوفد التشادي الرفيع برئاسة حاكم وداي إسماعيل جامو وداي، والقنصل التشادي بالجنينة حسن أحمد دايري، وعدد من العمد والسلاطين، حيث امتدح حاكم وداي تطور العلاقات بين البلدين، وأشاد بتجربة القوات المشتركة التى عمقت العلاقات بين البلدين. وكانت مشاركة الوفد خطوة ذكية من قادة المؤتمر الوطني بغرب دارفور الذين قدموا الدعوة للحزب الحاكم في تشاد للمشاركة بذلك الوفد الذي رقص مع أهل دارفور على أنغام «البشير قائدنا.. دبي قائدنا.. معاكم ما شفنا ندامة.. الله يديكم السلامة» كما غني الجميع «ارموا معانا صوتكم عندنا فى مؤتمر وطني حقنا .. فى الشجرة ام عروق حقنا» وقد وقف وزير الداخلية على أوضاع القوات على الحدود يرافقه الفريق عمر محمد على رئيس هيئة الشئون الإدارية والتخطيط بالداخلية ومدير شرطة غرب دارفور، ووقع الوزير على دفتر أحوال القوات هناك، وعقد لقاءات مع ضباط وضباط صف وجنود الشرطة، وبشرهم بتحولات كبيرة ستشهدها الشرطة فى مجال تأهيل الفرد وتحسين بيئة العمل وتطورها، وأطلعهم على جملة السياسيات العامة للمرحلة المقبلة، وما تريده الدولة من انتشار للشرطة فى كل الفرقان والأحياء. واطمأن الوزير إلى مسار المؤتمر الوطنى، سيما أن محلية سربا في الانتخابات السابقة كانت عصية على المؤتمر الوطنى، ومنحت أصواتها لابن المنطقة المحسوب على الاتحادي الديمقراطي. من جهته قال والي غرب دارفور حيدر قالوكوما أتيم إن اتفاقية الدوحة قد تنزلت إلى أرض الواقع من خلال الاستقرار الذي تشهده ولايته، وشدد أن السلام لا تأتي به قبيلة أو حزب واحد وإنما إرادة وعزيمة الجميع وتعهد بالمحافظة على شراكة حركته «التحرير والعدالة» مع المؤتمر الوطني. مبيناً ان تماسك النسيج الاجتماعي بالولاية يشكل وحدة وتمازج أهل السودان، وأكد حيدر أن السلام تعززه الخدمات وأن يعمل الجميع لخدمة الوطن الذي توحد أهله في الماضي خلف شعار الاستقلال حكومة ومعارضة. وقطع ان غرب دارفور آمنة تماماً وأن ما تم من إنجازات يجسد وحدة أهل الولاية وتصميمهم بأن تصبح غرب دارفور قلعة للسلام والتنمية والاستقرار. الى ذلك قال نائب الوالي الأمير أبو القاسم الأمين ان غرب دارفور ومنطقة سربا ودعتا الحرب، وأن حزب المؤتمر الوطنى وحركة التحرير والعدالة يعملان فى انسجام وتناغم لأجل نهضة الولاية واستقرارها. ويبقى التحدي الأهم الذي سينقل العلاقة المحورية بين الشركاء فى دارفور إلى علاقة ذات فوائد وذات عوائد يستشعرها المواطن، هو السعي لاستثمار انحراف المواطن نحو السلام وتلك اللوحة التي شكلها رجال النظام الأهلي وتعهداتهم بنبذ العنف ومحاربة التمرد ورفض دعاويه مما يتطلب تجويد العمل في القطاعات المهمة بالبنية التحتية للتنمية وتفعيل العلاقة الاقتصادية وتطويرها مع الجارة تشاد بشكل مؤسسي يتواءم مع العمل الكبير الذي قامت به القوات المشتركة بين البلدين في تأمين الحدود وضبطها بشكل فعال يستشعره من يزور تلك المناطق هذه الأيام وقد صارت مضرب مثل في الاستقرار والأمن .