علمتنا الايام بأن المشروعات العملاقة لا ترى النور وتشمخ عالية مناطحة لذرى المجد إلا عن طريق الذين يؤمنون بفكرتها ويتقنون تصميماتها، خاصة إذا كانت من جنس المشروعات ذات البعد العقدي والفكري، وإننا نتنكب الطريق عندما يقودنا خطأ التقدير بإسناد المهام إلى غير أهلها من ذوي التفكير القاصر، والنظرة الضيقة، فيكون الندم هو الحصيلة التلقائية لما حاق بنا من تصرفٍ لم يستند إلى حقيقة بسبب تهميشنا لمن يؤمنون بالمبادئ والوضع في أماكنهم أولئك الذين تنقصهم الدراية وضعف العقيدة حيال ما كُلِّفوا به من مسؤوليات. وبكل بساطة، تقع الخسارة وتضيع الإمكانات المالية إذا لم يتعامل مع الوظيفة أو المهنة من هو ماهرٌ فيها، فكم من مبانٍ عالية أصابها الانهيار، وتحطمت على رءوس الأشهاد لأنها لم تصمم وفقاً لمعايير هندسة البناء، وتم التشييد بالطريق العشوائي، حيث لم يكن المهندس مختصاً ولا البنّاء ماهراً. ولقد حدثني رجلٌ عركته التجربة والخبرة، بأن لا أقدم على أمرٍ إذا لم يكن تصوره في ذهني ناضجاً، وألا أكلف شخصاً للقيام بمهمة، إلا بعد التأكد من معرفته لها، وحذقه لطرقها ووسائلها. وبالرغم من قناعاتي بتلك الوصية، لكني أصبت بسهوٍ وغفلة جعلتني أفقد الكثير من القدرات المالية عندما لم أبذل جهداً للبحث عن طبيب ماهرٍ لتشخيص مرضٍ أصيب به أحد الأقارب فكانت نتيجة زيارة أطباء حديثي العهد بمهنة الطب، أنها جعلت ذلك الداء يتفاقم، علماً بأنه بدأ خفيفاً، وقابلاً للعلاج لولا الجهل بالطريق الذي يؤدي إلى النطاسي البارع في مثل تلك الأدواء، وتلك هي عاقبة الإصرار بإسناد الأمر لغير أهله من المختصين. والنصيحة التي نسديها لأولي الأمر منا بألاَّ تكون المجاملة هي السبيل نحو رتق الفتوق في الدولة والمجتمع، خاصة إذا كان الشأن يتعلق ببناء فكرٍ لأمة، وضمان مستقبل لأجيال قادمات. فالدولة الراسخة في بنيانها، والمشروعات الطموحة للمجتمع، لا يستطيع امرؤٌ منا أن يدّعي قدرته على تحقيق الإنجاز فيها بإصابة سنام النجاح، إلا إذا أسند الأمر لمن نثق في نضوج فكرته، وصدق إيمانه، لأن مثل تلك المهام لا تنفع عمليات الخبط العشوائي لتنفيذها، ولا تجدي معادلات القسمة الضيزى، حتى ولو كانت على حساب فريق منا، أن تجعل قسطاس الحق والواجب يستقيم على ما نسميه جادة الطريق. والجد في إدارة الدولة والمجتمع يقتضي منا أن نكون على قدرٍ وافرٍ من الصراحة، لترى مشاريعنا التي نفكر فيها النور، ثم تنفخ فيها الروح لتسعى حية تمشي بيننا بأرجل الصدق والإخلاص. ورحم الله سيد قطب الذي قال «تبقى كلماتنا عرائس من الشمع، حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة». وعلينا أن نعود دائماً إلى الفكرة ولا نشطح برغم التجربة في أودية الخيال.