إنه وفقاً للتقدُّم العلمي والتطوُّر الذي ضرب أرجاء العالم، وجعل المجتمعات والدول في تنافس محموم، وسباق دائم في مختلف الاتجاهات وحقول النشاط الإنساني، فإن هذه الضرورة قد حتمت أن لا نسند أمراً لمن لا معرفة له به، وألا نوسد مهمة لغير أهلها. فإذا رغب رجل أعمال لينشئ برجاً عالياً به جميع التسهيلات وفق مواصفات فنية ورسم معماري متقن، عليه حينئذ أن يستجلب لمثل هذا المشروع أبرع المهندسين والفنيين ممن لديهم الدراية والخبرة بما يمكنهم من إحالة هذه الرغبة إلى واقع يستجيب لما خطط له من أغراض وأهداف. والدولة إن أردناها دولة تتمتَّع بمنافسة ما يحيط بها من دول على مستوى العالم أو الإقليم، فنحن كذلك بحاجة إلى أن يكون على رأس وزاراتها ومؤسساتها رجالٌ أصابوا ذروة سنام العلم والمعرفة؛ ذلك لأن الجيل الحاضر وما سيأتي من أجيال هم جميعاً من الذراري التي نشأت على علم متدفق وتوعية أفاء الله بهما عليهم بما سخره الله لهم من معلومات أصبحت مشاعة بفضل ثورة الاتصال والمعلومات والوسائط التي يشكو من تزاحمها الفضاء. والمؤهلون من الوزراء والمسؤولين هم الذين يشرّفون مجتمعاتهم ودولهم، إذا كانوا ممثلين لتلك الدول في أي محفل إقليمي أو دولي، ولا يعقل أن يكون الوزير في عهدنا هذا كالأصم والأبكم جاهلاً باللغة والموضوع الذي يجري حولهما التداول والنقاش كالأطرش في الزفة. والمآساة العظيمة أن تكون بلادنا تحت الضغط والحصار لأننا لم نستطِع تبيان واقعنا وشرح حقيقة ما يدور فيه بسبب عجزنا عن الاتصال وإبلاغ الرسالة لافتقار مسؤولينا لفصاحة اللسان وعدم القدرة على تمليك الحقائق لأنهم بمنائ عن عناصر التأهيل التي تكسبهم المهارة، وتعينهم على الإيضاح والشرح والتفصيل. والبلاد المجاورة لنا وكذلك البعيدة عنا لا يشغل منصب الوزير فيها من تعوزه الكفاءة وعناصر التميّز. والكفاءة التي تعتمد للقيادة والريادة ليست هي عناصر الجهة والقبيلة كما درجنا على ذلك في ممارساتنا، لكنها كفاءة العقل والخبرة والقدرة على سياسة الأمر والأداء وفقاً لما يتناسب مع المطلوبات. وعندما يكون المنصب الوزاري أو التنفيذي محكوماً بمعايير منضبطة وقسطاس مستقيم، فإن الوزير الذي يتم اختياره لحقيبة وزارية سيصبح بعيداً عن اتهام من يوصمه بأنه فاقد تربوي، كما أن من يسلقونه بألسنة حداد شداد سيجدون الرد منه بلسان أكثر حدة، ولكن بالعلمية المقنعة وليس بالغوغائية التي يعتمد عليها الجهلاء. ولقد روى الدكتور عائض القرني في كتابه المشهور والمقروء (لا تحزن) بأنه شخصياً قد خاض تجربة لإلقاء محاضرة في غير تخصصه ولا يزال نادماً على قبول التكليف نسبة لإصرار وضغط بعض الأصدقاء، وكان سبب ندمه بأنه لم يكن راضياً عما قام به من أداء بالمقارنة مع أدائه في محاضرات أخرى تخصص في موضوعاتها، وبناءً على تلك التجربة فإنه يحذر كل شخص بعدم التجرؤ على مهنة أو مهمة أو تخصص وهو يعلم أنه ليس فيه من المجودين والحاذقين. والمصيبة العظمى في عصرنا الحاضر عندما يصعد وزير أو مدير تنفيذي إلى أعلى الهرم بالتسلق على الأكتاف، والتزلف للرؤساء بدلاً من استحقاقه لهذا المنصب بجدارة الكفاءة والقدرة وما ناله من معارف وعلوم.