حظي خطاب السيد/ رئيس الجمهورية بدعوته للحوار مع كل القوى السياسية بقدرٍ لا يستهان به من التأييد والمساندة كما لم يسلم الخطاب من بعض الملاحظات التي رأت أنه قد خلا من عنصر المفاجأة ويبدو أن أصحاب هذه الملاحظة قد انجرفوا وراء أماني وأحلام نتيجة للتغطيات الصحفية التي سبقت خطاب السيد الرئيس فقد رأت الصحف ومن باب الإثارة والتشويق استباق الخطاب بأماني لم تخطر على بال أحد لذلك انتفى عنصر المفاجأة التي تهيأ لها الكثيرون وبات الخطاب بمرتكزاته الأربعة هو الأمر الواقع وبخاصة في محور السلام لأن تجربة المؤتمر الوطني في هذا المجال ذات كثب عريض بالنظر إلى اتفاقيات السلام التي أبرمها هذا الحزب نيابة عن الحكومة السُّودانية مع الكثير من الفصائل المتمردة بدءاً باتفاقية السلام الشامل ومروراً باتفاقيات (أبوجا) و(الدوحة) و(طرابلس) و(اسمرا) فهذه مسيرة طويلة من البحث عن السلام ولن يجرؤ أحد على انكارها، وصحيح أن العبرة بالخواتيم وأن الكثير من هذه الاتفاقيات لم تكن محل إجماع وطني عريض وأن بعضها تعثر في ساحات التنفيذ وبعضها لم يضمن في الدستور وبعضها الآخر بلا ضامن دولي، وبرغم ذلك لا ينكر أحد أن (المؤتمر الوطني) كان من أكثر الأحزاب السُّودانية استعداداً للحوار من أجل السلام والتنمية والاستقرار، وهنا قد يقول بعضكم إن هذا المسعى هو الذي أورثنا التهلكة الاقتصادية واتساع دائرة الإنفاق على الحركات المتمردة فكلما تم الحوار مع فصيل ما انقسم ذات الفصيل إلى ثلاث أو أربع مجموعات بغرض المزيد من المكاسب في السلطة أو الثروة أو المنافع الشخصية تلك التي تذهب لقادة التمرد في شكل ديات أو تعويضات مادية وهذا قول صحيح بالنظر إلى نتائج وحصاد معظم اتفاقيات السلام التي أبرمتها الحكومة ممثلة في حزب المؤتمر الوطني مع حاملي السلاح بكل من دارفور والشرق والنيل الأزرق وجنوب كردفان. إذن نحن أمام حقيقة مُّرة وهي أن بعض الأحزاب والحركات المتمردة تستغل الدعوة للحوار من أجل السلام إلى مكاسب ومغانم دنيوية وشخصية لا تتجاوز طموحات قادتها ممن تأسى بتجارب وحصاد اتفاقيات السلام السابقة بل أخذ بعضهم وعبر وسطاء بالداخل مسألة الحوار من أجل السلام فرصة ومدخل للثراء والسلطة والجاه، ولا نقول هذا الكلام لنغلق الباب أمام الحوار فنحن لا نعلم بنوايا القادمين الجدد لمسار السلام ولكننا نقوله من باب تهيئة وتحفيز الإرادة الوطنية لتكون هي الأعلى ليس في ساحات المؤتمر الوطني فقط وإنما في كل الدوائر ذات الصلة بمسار السلام لأنه لا يعقل أن تلد كل اتفاقية تبرمها الحكومة اتفاقيات أُخر فهذا استنساخ لكارثة واستمرار وديمومة لجشع الذات المتمردة بل ينبغي التأسيس لمفهوم جديد للحوار من أجل السلام ولا بأس من أن يستصحب هذا المفهوم من ناحية الممارسة أن السلام غاية وليس رهيناً بمكاسب في السلطة أو الثروة وأن المظالم يمكن ردها بإشاعة ثقافة السلام بما يمكن المتمردين وحاملي السلاح من المساهمة في التنمية. ونحن إذ نقول هذا لا نظلم بهذا القول من يحمل على عاتقه قضية أو مظالم يرى أنها تستحق المنافحة عنها ولكننا نريد أن نرى من المعارضين في الداخل والخارج من سلك منهم درب الحوار أو من حمل منهم السلاح، نريد أن نرى منهم جميعاً إسهام بإرادة وطنية في البناء والتنمية ورؤية للمشاركة الحقيقية التي تصب في مصلحة الوطن لا مصلحة الأفراد وهنا لا بد من إشادة خاصة بالعمل الذي تم في إعداد وثيقة (أسمرا) لسلام الشرق لأن الموقعين عليها من قادة جبهة انحازوا لخيار السلام دون النظر إلى المكاسب الشخصية بل يعتبر سلام الشرق أنموذجاً يحتذى به في محور التنمية التي يتم إنفاذها الآن بقطاع الولايات الشرقية، صحيح أن هذا الاتفاق به بعض النواقص والتي تحتاج لإكمال ومراجعة مثل ضرورة تضمينه في الدستور كما أن هناك نصوصاً في وثيقة أسمرا لم يتم العمل بها بعد وهناك قضايا مثل التمييز الإيجابي لإنسان الشرق وقضايا أخرى ذات صلة بالصحة والتعليم، ولكن بغياب المؤتمر التشاوري والذي نصت عليه الاتفاقية ولم يتم العمل به غابت الكثير من النصوص أو أضحت حبراً على ورق تنتظر من ينفض عنها الغبار ويقرأها بتمعن!.