أدى اندلاع القتال في دولة جنوب السودان أواخر العام الماضي إلى نزوح مئات الآلاف من مواطني دولة جنوب السودان إلى دول الجوار، وكان للسودان نسبة مقدرة منهم وإلى لحظة كتابة هذا التقرير تضاربت الآراء حول عددهم حيث يصفه البعض بأنه لا يتجاوز آلافاً إلا أنه من المرجح أن تتزايد أعداد هؤلاء اللاجئين. وحسب تقارير رسمية فأن معظم هؤلاء اللاجئين يتركزون في ولايات النيل الأبيض وجنوب وغرب كردفان وولاية شرق دارفور، وبدورها كشفت معتمدية اللاجئين عن دخول (3630) لاجئاً من دولة جنوب السودان إلى السودان عبر ولايتي النيل الأبيض وجنوب كردفان، وتوقعت وصول أربعة آلاف آخرين عن طريق معبر جودة إثر تصاعد الصراعات بدولة الجنوب. فيما استنفرت اللجنة التنسيقية للاجئين بولاية النيل الأبيض المنظمات لاستقبال تدفقات اللاجئين الموجودين حالياً بالمنطقة الصفرية عند جودة الفخار، وقال معتمد اللاجئين المهندس حمد الجزولي في تصريحات صحفية إن المعتمدية بالتنسيق مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وبرنامج الغذاء العالمي سيعملان على تقديم المساعدات الأساسية العاجلة للاجئين المتأثرين من الأحداث متوقعاً تزايد أعداد اللاجئين القادمين من دولة جنوب السودان إثر تصاعد الأوضاع التي تشهدها الولايات المتاخمة للسودان حالياً على خلفية الصراعات بين الحكومة والمتمردين. من جانبه قال رئيس اللجنة التنسيقية للاجئين بولاية النيل الأبيض الطيب محمة عبد الله إنهم وقفوا على أوضاع اللاجئين بالمعبر على الشريط الحدودي بين الدولتين، موضحاً ان الأعداد في تزايد مستمر وفقاً للأحداث العسكرية الجارية بدولة الجنوب وأبان أن اللجنة تقوم بعمليات حصر وتصنيف اللاجئين وفقاً للقوانين الدولية الخاصة باللجوء، موضحا أن اللجنة قامت بتحديد نقاط الانتظار للاجئين بالكيلو «4» بمحلية الجبلين ومنطقة الإحيمر بمحلية السلام بغرض استقبال اللاجئين. مما جعل الجهات المختصة تضع في حساباتها الانعكاس السلبي بتدفق لاجئي الجنوب إلى السودان وما يترتب من زيادة على أعباء السودان اقتصادياً وسياسياً. وفي تصريح سابق أشار والي ولاية النيل الأبيض يوسف الشنبلي إلى أن الأجهزة المختصة ستتعامل مع أبناء الجنوب بما يقتضيه القانون الدولي، مشيراً إلى ان السلطات السودانية «ستمد أياديها البيضاء» إلى القادمين، وتوفر لهم الخدمات الأساسية. وأشار الى تنسيق مع السلطات في محافظتي الجبلين ودار السلام الحدوديتين، لتوفير مراكز لاستقبال اللاجئين من دولة الجنوب. فيما أكد مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بالسودان (أوشا) تواصل تدفق اللاجئين من دولة جنوب السودان عبر الحدود إلى السودان، هرباً من الصراع الدائر هناك، وأشار الى أن التقديرات الحالية لأعداد النازحين تجاوزت (20) ألف نازح. وذكر التقرير الأسبوعي للمكتب الأممي ان منطقة (أم دخن) والقرى المحيطة بولاية وسط دارفور استقبلت أكثر من (5) آلاف لاجئ جنوبي منذ ديسمبر الماضي، ورصد وصول نحو (650) نازحا آخرين من منطقة (بيدا) الحدودية إلى ولاية جنوب كردفان في الأسابيع الماضية. وأكد التقرير الأممي فرار (1325) من قبيلة (الدينكا) بجنوب السودان بسبب تزايد حدة الصراعات، ووصولهم الى معسكر النازحين التابع للأمم المتحدة بمنطقة (خور عمر) بشرق دارفور. ويخالف التقرير الأممي تقارير سودانية أفادت أن عدد اللاجئين من دولة جنوب السودان نحو (8) آلاف شخص. ويفيد شاهد عيان من مدينة المجلد بأن تدفق اللاجئين في ولاية غرب كردفان في معدلاته الطبيعية، مشيرا الى أن الولاية تتمتع بمساحة حدودية واسعة تمتد غرباً من غرب الميرم إلى هجليج شرقاً كما تضم منطقة أبيي المتنازع عليها، منوهاً الى أن حركة المواطنين الجنوبيين من دولة الجنوب في الآونة الأخيرة التي تلت انفصال جنوب السودان وتكوينه لدولة مستقلة كانت عبارة عن عودة لمن لم يتمكن من التأقلم مع الأوضاع الاقتصادية في الدولة الوليدة وسعى من خلال عودته الى العمل والاستقرار في المنطقة، بينما نجمت حركة النزوح الأخيرة نتيجة الى اندلاع موجة القتال الأخيرة في دولة جنوب السودان. وعن الأوضاع الاقتصادية في المنطقة يشير شهود عيان إلى ان الموسم الزراعي المنقضي واجهته مشكلة الآفات الزراعية التي تمثلت في آفتي الجراد والطيور التي قللت انتاجية المحاصيل الزراعية، مضيفين في نفس الاتجاه الى ان الآفات الزراعية إضافة الى الفيضانات هي من المشكلات التي واجهت العملية الزراعية خلال الخمسة أعوام السابقة، مشيرين الى ان نقص المعدات وتباعد المسافات وانعدام التنسيق والتباطؤ في مكافحة هذه الآفات ساهم بشكل رئيس في انخفاض الانتاج الزراعي بالمنطقة. منوهين الى ان سعر ملوة الدخن يبلغ 20 جنيها والى ان سعر ملوة العيش يبلغ 17 جنيها محذرين من انه قد يصل سعر الملوة الى مبلغ 30 جنيها إذا ما تواصل تدفق اللاجئين من دولة جنوب السودان الى ولاية غرب كردفان. وعن حركة الرعي الموسمية اشار شاهد عيان مقيم بالمنطقة الى ان الرعاة يمارسون أنشطتهم الرعوية بصورة طبيعية، منوها إلى ان القبائل الرعوية لم تعد تتعمق في الدخول في أراضي دولة جنوب السودان كما كانت تفعل أثناء دولة السودان الموحدة، مشيرا في ذلك إلى ان الرعاة بدأوا يتأقلمون مع الأوضاع السياسية الجديدة. ومن جانبه قال الخبير الاقتصادي د. محمد الناير ان تدفق لاجئي دولة الجنوب على السودان سيؤثر سلبا على الاقتصاد، وأضاف انه اذا استمرت دائرة الحرب بالجنوب فستتوسع انعكاسات كبيرة على اللاجئين الى السودان، لان المواطن الجنوبي لا تكون لديه الرغبة في الذهاب إلى دول الجوار وسيتوجه نحو الشمال باعتبار انه سبق ان كانوا شعباً واحداً لدولة واحدة قبل حدوث الانفصال مما ينتج عنه تكلفة وضغوطا كبيرة على حكومة السودان من ناحية اقتصادية وصحية وضرورة توفير إيواء وغذاء وكساء للجنوبيين، وذلك فوق طاقة الحكومة ما يتطلب دعم ومساعدة المجتمع الدولي الذي بدوره ينتظر هذه السانحة لإرسال المنظمات الدولية بذات الأجندة السياسية وكل ما تحمله من مخاطر على السودان. وكان صندوق النقد الدولي قد قدر بأن السودان سيحصل على 1.5 مليار دولار عبارة عن رسوم عبور النفط الوارد من دولة جنوب السودان. وكان وزير مالية السودان بدر الدين محمود عباس قد أعلن ان السودان يضع ترتيبات لتعويض عائدات نفط دولة الجنوب في حال توقف إنتاج النفط بسبب القتال الذي يدور في جنوب السودان. وقال وزير الدولة بالمالية السوداني مجدي حسن يس في تصريحات للصحافيين في البرلمان ان «عائدات بترول الجنوب المتوقعة في ميزانية العام القادم 5.7 مليار جنيه سوداني - مليار دولار» وتشكل رسوم عبور صادر نفط الجنوب نحو (6.559.92) ملايين جنيه كرسوم عبور وخدمات البترول. ومن جانبه وفي نفس الاتجاه يصف د. سعد عبد الله أكرم أستاذ الاقتصاد المشرك بجامعة النيلين الوضع قائلاً «الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني أحد اهم المقومات لحياة الإنسان والتنمية الاقتصادية أي اختلال فيها يؤدي الى اضطرابات سياسية واجتماعية، مما يعني مزيداً من التخلف بالنسبة للدول النامية». أي عدم استقرار في دولة مجاورة يعني تجاوز النطاق المحلي الى الدول المجاورة، كل النظريات الاقتصادية لم تغفل هذا الجانب، دولة جنوب السودان ومنذ انفصالها في التاسع من يوليو 2011م عن السودان فقد الأخير جزءا عزيزا من أرضه ومن الموارد والأمن وبالتأكيد الأمن الاقتصادي. إن انفصال جنوب السودان أدى لفقدان السودان البترول الذي كان يمثل ما نسبته (7%-10%) من الناتج المحلي الاجمالي المقدر ب (55%) من جملة الإيرادات العامة للدولة وما نسبته 90% من الإيرادات وبعد الانفصال حدث توتر بين البلدين وتأثرت به دولة جنوب السودان ودولة السودان وتأثر اقتصاد كلا البلدين كثيرا، وزاد هذا التأثير بعد المشكل الأخير في دولة جنوب السودان واندلاع ا لحرب الأهلية بين حكومة الجنوب برئاسة سلفا كير ونائبه السابق رياك مشار ونتج عنه عدم استقرار ونزوح كبير إلى دولة السودان يقدر بحوالي 20 ألف مواطن جنوبي والتأثير في الجانب الأمني والاجتماعي والاقتصادي على دولة السودان إذ يتوجب على السودان أن يتحمل وفقا للاتفاقيات الدولية إيواء هذا العدد الكبير من اللاجئين والذي يلعب فيه الجانب الإنساني دورا كبيرا على الرغم من ان السودان يعاني من مشكلات اقتصادية كبيرة نجمت عن الانفصال، ان عدم الاستقرار السياسي والأمني في دولة جنوب السودان ادى الى فقدان إيرادات من عبور النفط من جنوب السودان، وسيؤدي الى تقليص المساحات المزروعة في دولة السودان وبالتالي مزيدا من الضغط على الامن الغذائي ومزيدا من الاختلال في التوازن الداخلي والخارجي للاقتصاد الكلي وإلى دوام حالة عدم الاستقرار الاقتصادي في السودان ومزيدا من الارتفاع في معدلات التضخم وانخفاضاً في سعر العملة المحلية وإلى التأكل في احتياطيات العملات الأجنبية وإلى النقص في التبادل التجاري بين البلدين، وبذلك يتأثر الاقتصاد السوداني الحقيقي والتنمية الاقتصادية. لذلك لا بد أن يسعى السودان إلى مساعدة دولة جنوب السودان في حل مشكلاتها، والمساهمة في معالجة مشكلات المنطقة ككل، لأن فشل اية دولة من دول الجوار يؤدى إلى مزيد من التدهور والإفقار وانعدام الغذاء ووقف عمليات التنمية في السودان.