قبل أن أبدأ العمل في منصب مدير التحرير بهذه الصحيفة الشهر الماضي، كنت قد سعيت للعمل مع أخي الكريم وصديقي العزيز الأستاذ عادل الباز في صحيفة «الرأي العام»، ولدى حضوري لاجتماع صباحي يحرص الباز على عقده مع أسرة التحرير من أجل الحوار الهادف للارتقاء بمستوى الأداء وكل ما يتعلق بهذا، كانت المعالجة المطلوبة لمسألة الشأن الولائي في الحراك الإصلاحي الذي بدأه الحزب الحاكم حينها بالإعلان عن تعديلات مفاجئة في السلطة الاتحادية الحاكمة من بين الموضوعات المطروحة والقضايا المقترحة للمعالجة العاجلة والآجلة في ذلك الاجتماع. وقد قلت يومها للزملاء في أسرة تحرير «الرأي العام» إن عليهم أن ينتبهوا للحقيقة المتمثلة في أن ما يجري تحت ما يُسمى بالإصلاح الحالي في الحزب الحاكم والسلطة الممثلة له، إنما يكشف وينطوي ويعبر عن صراع وحراك داخلي في هذا الحزب. وبالتالي وبناءً على مثل هذه النظرة لما يجري فإن الذي حدث على المستوى الاتحادي للحزب والحكومة ربما قد لا يسهل القيام به بالطريقة المفاجئة ذاتها على الصعيد الولائي. والذي يمكن توقعه في مثل هذه الحالة هو أن الجهة أو القوى التي ربما كانت قد خسرت الصراع والحراك الإصلاحي الداخلي الجاري في الحزب وحكومته، ووجدت نفسها أنها ربما كانت مضطرة للموافقة على ما جرى من مفاجأة في الوهلة أو الجولة الأولى، ربما قد تسعى للقيام بمحاولة للمقاومة في الجولات والمراحل اللاحقة لمثل هذه الإجراءات الإصلاحية والمغزى البعيد المدى الذي تنطوي وتحتوي عليه وتشي به وتكشف عنه. وسيكون من الطبيعي بناءً على هذا أن نتوقع أن تتم مثل هذه المقاومة المحتملة كما قد يحدث على الصعيد الولائي بصفة عامة، وفي ما يتعلق بالشخصيات المنتخبة في مناصب الولاة بالولايات المختلفة، وجلهم ينتمي من الناحية التاريخية للحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة والمؤسسة للسلطة الحاكمة القائمة منذ أن استولت على سُدة مقاليد الحكم وسيطرت عليها بهيمنتها منفردة بانقلاب ثوري مدني وعسكري في الثلاثين من يونيو 1989م، وإلى جانبهم الشخصيات المنتخبة مثلهم في المجالس التشريعية الولائية ومجالس المحليات ومناصب المعتمدين فيها. وبالنظر لما يجري في الوقت الحالي تحت مسمى الإصلاح الوطني الحزبي والرسمي والحراك الجاري بشأنه، فقد كان من اللافت أن ما طفح على سطح التوقعات التي عبّرت عن نفسها بصورة جاءت رائجة ومائجة في ما يتعلق بالرغبة والدعوة للمسارعة بإجراء إصلاحات وتغييرات مماثلة في مستوى الولايات على النحو الذي جرى في الصعيد الاتحادي للحزب الحاكم والسلطة الممثلة له والمعبرة عنه قد تلاشى بسرعة كانت لافتة أيضاً، وخاصة في الفترة اللاحقة للتصريحات التي أدلى بها المساعد السابق لرئيس الجمهورية ونائب شؤون حزب المؤتمر الوطني الحاكم د. نافع علي نافع، ونفى فيها بصورة حاسمة وقاطعة وجود أي اتجاه لإجراء إقالات غير دستورية لولاة الولايات المنتخبين. والسؤال الذي يفرض ويطرح نفسه بناءً على هذا وبالنظر بصفة خاصة لما يجري من حراك وصراع لافت في ولاية الجزيرة، والاجراءات الأخيرة التي أقدم عليها الوالي المنتخب هناك بروفيسور الزبير بشير طه بإقالته لكل المجالس التشريعية المنتخبة في المحليات بهذه الولاية، سيكون هو هل قد يمكن ويجوز القول إن الصراع والحراك الداخلي في الحزب الحاكم وسلطته الحاكمة قد انتقل من المستوى الاتحادي إلى المستوى الولائي على كل الأصعدة في مختلف الولايات، أم أن ما يحدث في ولاية الجزيرة ربما قد يكون تعبيراً عن حالة خاصة بها، وعلى نحو استثنائي في ما يتعلق بالنظر السياسي لما ينطوي عليه ويشي به ويعبر عنه؟ والسؤال سيبقى مطروحاً، لكن الإجابة المرجحة بالنسبة لي من زاوية التحليل السياسي لما يجري كما أفهمها، هي أن ما يجري في ولاية وغيرها من الولايات بصفة عامة ومنها ولايات سنار والنيل الأبيض وشمال كردفان ونهر النيل وكسلا والبحر الأحمر وولايات دارفور وولايتا جنوب وغرب كردفان بصفة خاصة، إنما يعبر عن صراع سياسي داخلي في المؤتمر الوطني يدور ويجري تحت مسمى الحراك الإصلاحي. وربما قد تنفجر مثل هذه الصراعات بصورة سافرة، وقد تكون صارخة في التعبير عما تنظوي عليه من أبعاد بعيدة المدى في الفترة والمرحلة المقبلة لما يُسمى الحراك الإصلاحي في الحزب الحاكم والسلطة الممثلة له والمعبرة عنه.. وسنتابع لنرى.