يستعد الحزب الشيوعي لعقد مؤتمره العام وسط صعوبات لوجستية وخلافات فكرية وشخصية ، فعلي الصعيد القيادة حتي الآن من الصعب الإتفاق علي شخصية تقود الحزب خلفاً للمهندس محمد مختار الخطيب الذي يبدو أن أختياره جاء بمعيار وفاقية أكثر من كونها معايير تتناسب مع متطلبات المنصب السياسي ، أما علي الصعيد الفكري فإن جل التيار الشبابي يرى أن خط الحزب الحالي وأن كان متفق علي خطه السياسي العام وفق الواقع الظرفي الآن في الساحة السياسية لكنه يحتاج إلى تأصيل فكري علي هدى النظرية الماركسية ، وأن التخريجات الفكرية التي حدثت في عهد السكرتير الراحل محمد إبراهيم نقد لم تكن محل أتفاق بل أن البعض يصنفها في خانة البرسترويكا التي أبتدعها الرئيس السوفيتي السابق والتي قادت في النهاية لتفكيك دولة الحزب وأنهيار الدولة قبل أن تلتقط أنفاسها مجدداً لكن وفق أسس رأسمالية وبرجماتية ، لكن الحرس القديم الإنفتاحي الذي يساند خط التحول الذي أنتهجه إبراهيم نقد ما زال يمثل مركز القوة على الأقل قبل أنعقاد المؤتمر العام الذي ربما شهد تحولاً كبيراً بالرغم من أن أنصار ( نقد) يستندون على مرجعية واقعية تتعلق بواقع النظرية على الأرض بعيداً على بعدها النظري الصرف وهي ورقة مؤثرة كان لها تأثيرها على القواعد طوال الثلاثة وأربعين عاماً الماضية رغم مناوشات الحرس الماركسي التي كانت تطل برأسها حتي في عهد الزعيم الراحل عبد الخالق محجوب وفي عهد الراحل إبراهيم نقد خاصة بعد إنتفاضة إبريل 1985 وقبل عدة سنوات عندما كان يخاطب محمد ابراهيم نقد جماهير الحزب بمنطقة الديوم الشرقية هتف بعض الشباب هتافات ماركسية بدت وكأنها نقدا للقيادة فقال لهم ( نحن ما نطينا ) لكن الواقع يقول أن تجربة الحزب بعد وفاة زعيمه الراحل عبد الخالق محجوب قد شهدت تحولات وصلت حداً شبيها من الأنقلاب الفكرى للنظرية الكلاسكية حتى بفهومها غير المادى سيما بعد منتصف الثمانينات ، ففى تلك الفترة كان الكادر الشيوعى المعارض للقيادة الحزب الراحل عمر مصطفى المكى صوب نقدا كبيرا لها خاصة فيما يتعلق بعلاقة الحزب مع القوى الحزبية التقليدية ورفضه التحالف مع اليسار وموقف الحزب المؤيد للديمقراطية اللبرالية والتى بدت فى خطاب الحزب كخيار آيدولوجى وليس مجرد تكتيك مرحلى فالراحل التيجانى الطيب قال فى حوار مع صحيفة الصحافة فى مايو 1980 (نحن كحزب طبقى عندنا مفهوم للديمقراطية ولكن ما نسعى إليه هو أن تكون هناك تعددية ونظام برلمانى ديمقراطي وسلطة تنفيذية منبثقة من هذا النظام ) وهو موقف يتقاطع مع موقف برنامج الحزب الذى يرى أن الديمقراطية اللبيرالية تضيق من فرص التطور وأنها برهنت على أنها مكشوفة للتدخل الأستعمارى والتغول الرجعى فى البلاد ( لكن محمد ابراهيم نقد يقف موقفاً مختلفاً فهو يقول ( يجب ألا نسلب حقوق الجماهير الأساسية والحريات الديمقراطية بأسم الديمقراطية الجديدة أو باسم الديمقراطية الثورية أو باسم الشرعية الثورية فى المستقبل) وهو ما دفع بغلاة الشيوعيين ان يصدروا بياناً فى الخامس والعشرين من مايو 2004 دعوا فيه الى ما أسموه بدعاوى تصفية الحزب وانتزاعه من جذوره الطبقية ليصبح واحدا كما قالوا من أدوات البرجوازية والرأسمالية الطفيلية وقالوا انهم يرفضون دعاوى التجديد وفكرة تغيير أسم الحزب كذلك فإن معارضى نقد ينتقدونه فى تجاهل الحزب التحالف مع اليسار والتقارب مع القوى السياسية التقليدية ويرد ( نقد ) قائلا (أن الواقع السودانى فى حراك سياسى و سكانى واجتماعى نتجت عنه تعديلات واسعة فى الخريطة السياسية والإجتماعية ومازال مستمرا ونحن نسعى لإستيعاب هذه المتغيرات والتحالفات لأنها لا تتم عبر الرغبة الذتية ) وهو ما جعل كثيراً من المراقبين يعتبرونه زعيم البروستوريكا فى الحزب الشيوعى فهل تستمر هذه النزعة التجديدة المناوئة للكثير من المسلمات الكلاسيكية فى الماركسية بعد أنعقاد المؤتمر العام ؟ أم يفرض ما تبقي من الحرس القديم ومؤيديه من الشباب المتحمس للعودة من جديد للأدبيات الشيوعية الحمراء رغم أنف المستجدات الظرفية والواقع الذى أفرزته التجربة بعد ما يقارب القرن من الزمان ودخول النظرية ومؤسسها فى متحف التاريخ .