قديماً كان الناس في المجتمع السوداني يتعاملون فيما بينهم بكل اريحية وبحالة من البساط الاحمدي، يتبادلون الاحاديث والعبارت فيما بينهم دون تكلف او تصنع او تنميق، ودون ان يحدث بينهم اي نوع من انواع سوء الفهم او اللوم فيما بينهم، لكن الآن ومع تعقيدات الحياة العصرية اصبح حديث الناس بقدر، والفرد منا لا يقوى على التحدث مع الآخرين ببساطة وسلاسة، بل يجب على المتحدث ان يراجع حديثه عشرات المرات قبل التفوه به حتى لا يقع في ما لا يحمد عقباه من سوء فهم وتأويل للاحاديث. فهل فقدت «الونسة» والحديث الطعم النكهة والعفوية في ظل الدبلوماسية المجتمعية؟ سؤال طرحته «الإنتباهة» على عدد من الناس، فلنر ماذا كانت اجاباتهم؟ واستعنا برأي علم الاجتماع في ختام الاستطلاع. النظرة الدونية تقول ست البنات محمد النور ان التعامل مع الآخرين له محددات، وهناك اشخاص يسهل الحديث معهم من دون ان تضع بينك وبين الآخر حواجز او برتكولات، وايضاً هناك من تتعامل معهم بقيود وحذر شديد، وفي اعتقادي ان التعامل البسيط وبعفوية كاملة يسهل علينا كثيراً طريقة التعامل مع الطرف الآخر في جو تسوده المحبة والعفوية، وفي مجتمعنا الحالي أصبحت النظرة للشخص الذي يتعامل بالعفوية نظرة دونية، ويكون الشخص غير محبوب وسط المجتمع الذي يعيش فيه عموماً ووسط اصدقائه خصوصاً. انتقاء المصطلحات وأبانت الاستاذة سندس عدلان قائلة: ان الدبلوماسية الاجتماعية تعتمد على طبيعة المجتمع وعاداته وتقاليده المختلفة، وهي التي تبني شخصية الإنسان، ومن ثم ترتكز على تكوينات وأساليب التعامل مع الغير كل حسب شخصيته وطبيعته، وفي احيان كثيرة نجد ان البعض لا يمتلك منها الا قليلاً، وبذلك يفقد الكثير ممن حوله بطريقة تعامله وكلامه معهم، بينما نجد الكثيرين ممن يلتف الناس حولهم لأن طريقة حديثهم وأساليبهم وانتقائهم للمصطلحات الجميلة تتناسب وطبيعة كل نفس، مع الأخذ في الاعتبار الحالة المزاجية للناس. وفي رأيي الخاص ان الدبلوماسية الاجتماعية لها صلة وثيقة بالحالة الاقتصادية التي يعيشها المجتمع، واكرر قولي إن الواقع الاقتصادي الحالي وانشغال المجتمع واللهث وراء لقمة العيش والتفكير في كيفية توفير الاحتياجات من اكل وشرب، يجعلنا نتصرف ونتحدث بشيء من الدبلوماسية. التحفظ في الحديث الخبير الاجتماعي وخبير تنمية المجتمعات الريفية الاستاذ محمد أحمد عبد الحميد حمزة، قال في افادته لنا: في ظل التعقيدات الحياتية والتحفظات الاجتماعية والهاجس الامني والخوف من المجهول والمستقبل، تطرأ على المجتمعات الحضرية كثير من التحديات تجعلهم يتحفظون في الحديث حتى في الانس الجميل، وذلك الأمر مرده الى التعقيدات الحياتية الآنفة الذكر، ولهذا نلحظ في المجتمعات الحضرية والشبه حضرية ومجتمعات المثقفين خاصة، نلحظ أن حديثهم لا يفهم مباشرة، بل هنالك بعض المثقفاتية يلجأون الى تعقيد القول ويحمل كلامهم عدة اوجه، والقصد من ذلك ابراز صفة الثقافة والفلسفة والاستعلاء على الآخرين، وهذه اشكالية نفسية يعاني منها كثير من السياسيين. أما الوضوح في القول والصراحة فإنها تكسب صاحبها شخصية قوية وجريئة لا تهتم بما سيلحق بها لأن القناعة راكزة وراء هذا الحديث الشجاع، وكلما كان الحديث بعيداً عن التعقيدات والتأويل كان اقرب الى نفسيات المجتمعات العربية التي تبرز فيها قيم الصلابة والجسارة في الرأي، وتنطبق على هؤلاء صفة الدبلوماسية المجتمعية، وعموماً يمكن ان يقال ان الدبلوماسية المجتمعية سمة ملازمة لهذا العصر عفا الله عنها اهل الريف. فالحديث عندهم على السجية، والكرم عندهم حقيقة والمحبة عندهم صادقة ولا يعرفون زيف المدن، والكلمة عندهم تعني الكلمة، وفي ثقافة اهل الحضر يعتقدون أن العفوية والحديث الواضح وجه من اوجه السذاجة، وهذا يخالف المفاهيم القرآنية التي تدعو إلى أن تقول للناس قولاً حسناً أي يكون واضحاً.