ما يعيشه السودان من ظروف اقتصادية حرجة لم يكن من فراغ، فالصدمات التي تلقاها من الداخل والخارج أثّرت بصورة مباشرة في زيادة التضخم وخلقت العديد من الاختلالات الأساسية، كما ساهمت في تدني القوة الشرائية وعدم استقرار سعر الصرف، بجانب ارتفاع معدلات البطالة التي أبطأت بدورها النشاط الاقتصادي وزيادة معدلات الأسعار للسلع والخدمات ويعتبر التضخم أحد الأمراض التي نهشت وخلقت تشوهات في الاقتصاد السوداني وهذا ما جعل معرفه أسبابه في أعين الخبراء والمتابعين لا تتعدى التوقعات التضخمية وتكاليف الإنتاج المرتفعة بالاضافة الى استمرار زيادة الانفاق العام وعجز الموازنه ويأتي التوسع النقدي وارتفاع صافي الاصول المحلية وتباين سعر الصرف ليزيد من معدلات التخضم ،وما زاد الامر تعقيداً تفاقم العلاقة الطردية القوية بين ارتفاع الاسعار العالمية للسلع المستوردة ومعدلات التضخم الناتجة عن ان السلع المستوردة تمثل اكثر من 65 % من مكونات سلة مقياس الاسعار الاستهلاكية لصندوق النقد الدولي وهو ما يجعله ينتقل بصورة مباشرة الى الارتفاع في الاسعار المحلية ما يشكل ضغوطاً تضخمية ،اما سعر الصرف للعملة الوطنية فيعتبر من اهم محددات التضخم في السودان حيث يؤدي انخفاضه الى رفع معدلات التضخم وارتفاعه يساعد في تدهور سعر الصرف اما عدم الاستقرار الحالي لسعر الصرف وتزايد الفجوة بين السعر الرسمي والسعر الموازي يصل الى اكثر من 25%ما يؤثر سلباً على مصادر الدخل الاجنبي سواء في الصادرات او تحويلات المغتربين ويزيد من فجوة الموارد في السوق وقد شهدت البلاد فى السنوات الاخيرة ارتفاعاً في الانفاق الحكومي الجاري وعجز الموازنة والتمويل حيث اكدت الاحصائيات ارتفاعه خلال الفترة من 2010م الى 2013م من مبلغ 24,1مليار جنيه الى 30,8 جنيه اى بنسبة 25% في الوقت الذي كانت السياسة المعتمدة تطالب بخفض الانفاق ولم يشمل الارتفاع الايرادات العامة غير النفطية بعد خروج موارد النفط من الموازنة ما ادى الى ازدياد فجوة وعجز الموازنة الامر الذي جعل وزارة المالية تتجه للاستدانة من البنك المركزي لتغطية العجز, ولم يكن الانتاج المحلى بمنأى عن التضخم فتدني الانتاج وارتفاع تكاليفه كانت سبباً في انخفاض معدلات النمو في الناتج الاجمالي المحلي منذ العام 2011م الى 5,20% و2010م الى 1,9% و2011م الى 1.7% و 2012م وذلك لاسباب تعتبر اساساً في هذا التدني ومن اهمها انفصال الجنوب وخروج موارد النفط والاختلال الذي صاحب الاقتصاد ما جعل الاستيراد حلاً لسد الفجوة الاستهلاكية وقد ابان الخبراء والمختصون ان الرؤية المستقبلية لحل مشكلة التضخم تكمن في الاصلاحات العامة في مجالات السياسات المالية بشقيها الانفاقي والايرادي بهدف تخفيض عجز الموازنة ومن ثم اصلاح السياسات النقدية وذلك بترشيد عمل البنك المركزي لمنع الافراط السيولي والنقدي وتخفيض التمويل بالعجز واما في مجال سعر الصرف باعتبار تدهور العملة الوطنية وعدم استقرار سعر الصرف وهو السبب الرئيس في التخضم لابد من اصلاح سياسات سعر الصرف وهو ما يحقق توحيد سعر الصرف وهنالك اصلاحات هيكلية منها افساح المجال للقطاع الخاص وتقليص دور الدولة والشركات الحكومية التي تزاحم القطاع الخاص والعمل على خلق بيئة مساعدة ومحفزة للاستثمار والانتاج بتبسيط وتسهيل الاجراءات ومعالجة الضرائب العشوائية وفي القطاع الخاص الزراعي فان المطلوب معالجة مشاكل القطاع المروي بمراجعة ادارة المشروعات الزراعية الكبرى وتقليص الدور الحكومة ليسمح بتمدد المنتجين وتشجيع البحث العلمي وربطه بالانتاج وتوفير التمويل و خلق جسور مع المجتمع الدولي عبرالاتفاقيات الاقليمية والدولية ومحاربة البطالة بخلق فرص عمل ولابد من الاهتمام بالمرأة ومحاربة الفقر بتشجيع مشروعات التمويل الاصغر،وتظل استعادة الاستقرار الاقتصادي هو المفتاح للسير في طريق النمو المستدام ما يتطلب تنفيذ برنامج الاصلاح المالي والاقتصادي الشامل لمواجهة التحديات المفروضة على البلاد.