«لينا العضم وليكم اللحم»، «شوف يا أستاذ، إنت ما عندك الحق تمد أصبعك على الولد، عليّ الطلاق المرة الجاية كان هبشته ساكت أنا بشتكيك في الوزارة ولا بفتح فيك بلاغ» كلا العبارتين تتعلق بأدبيات التعامل التربوي لأولياء الأمور مع أستاذة أبنائهم، والعبارة الأولى كانت تمثل حقبة زمنية ربما تزيد عن الخمسين عاماً في الحضر وأقل من ذلك في الريف بينما العبارة الثانية تمثل الحقبة المعاصرة الآن، ففي عهد ما يسمى بحقوق الإنسان ولوثة حماية الطفولة برزت كثير من المفاهيم الانقلابية التي تتقاطع مع المرجعيات الشرعية والقيمية الشعبية المتوارثة لدى المجتمعات، فالآن ما يعرف بالناشطين في مجال حقوق الأطفال يشرِّعون قوانينَ تستلف المفاهيم الغربية، فيمنعون حتى العقوبات الجسدية الرمزية في المدارس الإسلامية بحجة تأثيرها النفسي السلبي على الأطفال وهو اجترار لنهج علماني يجعل من الشخصية الإنسانية هشة تحتاج إلى الدعة وإطلاق العنان لكوامن النفس وشبقها وحريتها، بينما الإسلام يفرِّق بين الشدة المفرطة في تربية النشء وبين الدلال المطلق الذي يمنح الحصانة للأطفال والمراهقين، حتى إذا بلغوا سن الثامنة عشرة أصبح لهم الحق القانوني في مقاضاة آبائهم إذا ما ضربوهم ناهيك عن معلميهم، وفي السودان في ظل انتشار المدارس الخاصة أصبح كثير من أولياء الأمور يعتقدون أنهم طالما هم يدفعون مبالغَ مالية كبيرة فهم لهم الحق في انتزاع وضع خاص لأبنائهم في المدرسة، يجعل من المعلم وكأنه نادل في فندق عليه احترام الزبون وإن سبّه أو أعتدى عليه، لهذا فكثير من إدارات تلك المدارس باتت تضغط على المعلم ومن الممكن أن تضحي به في سبيل إرضاء الزبون «الفندقي» أي بعض ولي الأمر، وفي العام 2006 أصدرت وزارة التربية بولاية الخرطوم قرارًا باستخدام عقوبة الجلد في مرحلة الأساس والثانوي ووضعت لها سقفاً وهو ما بين ثلاث إلى أربع جلدات لكن الخطوة لاقت اعتراضاً وهجوماً كبيرًا من قبل ما يسمى بالناشطين في حقوق الطفل وسدنة العلم الغربي باعتباره يؤثر على ما أسموه بنمو نفسية الطفل ونموه الاجتماعي والنفسي، كما دعت آنذاك البرلمان بوقف العقوبات الجسدية في المدارس تجنباً لما وصفوه بالأضرار الجسدية والنفسية على الطلاب، واعتبرت هذه الرافضة قرار وزارة التعليم بالخرطوم بأنه يمثل عجزاً عن إيجاد بدائل وتطوير العملية التربوية، في حين اعتبرها آخرون بأنها مدعاة لتحقيق التربية السليمة في ظل مغريات الاستلاب العديدة في المجتمع من فضائيات وثقافات وافدة. لكن الغريب أن الذين يرفضون عقوبة الجلد في المدارس ويستنون بسنن الغرب، فات على أكثرهم بأن عقوبة الجلد مسموح بها في العديد من البلدان من بينها عشرين ولاية أمريكية كذلك فإن العقوبة للقاصرين مسموح بها في خمسين ولاية بالولايات المتحدة لكنها محظورة في حوالى أربعة وعشرين بلدًا في العالم من بينها بلدان أوربية وآسيوية. وقبل أيام دعا الشيخ كمال رزق إمام المسجد الكبير إلى السماح بجلد التلاميذ باعتباره يشكل قيمة تربوية عملية للتلاميذ وحمايتهم. وفي الفترة الأخيرة حدثت بعض الحالات الفردية من بعض المعلمين الذين بالغوا في ضرب التلاميذ الصغار مسببين لهم بعض الأضرار الجسيمة، بيد أن ذلك لا ينبغي أن يجعلنا نلغي عقوبة الجلد كنهج تربوي وإسلامي في المدارس كرد فعل عاطفي لحوادث معزولة بل بتكثيف وسائل التأهيل للمعلمين في المعاهد المتخصصة، كما نأمل أن يعيد البرلمان النظر في قانون الطفل ومطابقته للشريعة الإسلامية ومقاصدها بعيدًا عن العواطف والمستجدات التي تطرأ في المجتمع بسبب الاستلاب والفقر وانتشار العزوبية. وأخيرًا نقول: نعم للجلد المرشّد وبنظرة سريعة إلى الأجيال السابقة حيث كانت عقوبة الجلد حاضرة وبين جيل اليوم، عندها ستكون العبارة السائدة هي: «الجلد ما لو بالله؟»