منذ أقدم العصور عرف السودانيون الذهب واستخرجوه وصهروه وصاغوه زينة لتيجان الملوك وتوابيتهم وزينة للنساء، وفي تلك الحقب سميت بلاد النوبيين ببلاد الذهب ومنها جاءت كلمة النوبة، وهي مشتقة من (نوب Nob) وهي من « نوبرى» وتعنى الذهب.. وعرفت تلك البلاد مهنة الصياغة، كما جاءت الحدادة متزامنة مع صياغة الذهب، وقد اُستخرج الحديد منذ عهد سيدنا موسى عليه السلام.. وعرف الحدادون والصاغة باسم «تبد» ومنها جاءت المسميات « تبيدي ونابري»، والحداد الذي يصنع الآلات الزراعية والسكاكين والمناجل وجميع الآلات الحادة يسمى«تبد» في اللغة النوبية، وهم حتى الآن يمارسون الحدادة والصياغة بحرفية عالية جداً، بل وحتى النجارة، حيث صناعة العناقريب والأثاثات المنزلية والمراكب الكبيرة التجارية والصغيرة.. بل أن الزراعة نفسها إذا تتبعنا كيفيتها ابتداءً من الساقية بتروسها وكيفية رفع الماء من النيل، الساقية الكبيرة «كلى دول والصغيرة كلى تود» نجدها تقوم على العملية الهندسية الدقيقة التي تعتمد على الرياضيات والهندسة والجبر واللوغريثمات. وكما قيل إن الحاجة أم الاختراع فإن استخراج الذهب من باطن الأرض صار إحدى الضرورات بعد ذهاب عائد البترول إلى الجنوب، وليس غريباً أن توقع الدولة خمسين اتفاقية بالأمس مع الشركات المحلية والعربية والغربية وفي كافة ولايات السودان بهدف استخراج خيرات ما في باطن الأرض من معادن، ذهب وحديد وفضة ونحاس وزنك ورصاص، هذا إلى جانب المواد الأخرى التي تستخدم في الصناعات الكيميائية والزراعة وخلافها.. إذن نحن أمام حقائق تاريخية موثقة بوجود الكثير من الخيرات في باطن الأرض وعلى سطحها، بل وفي سماواتها «وفي السماء رزقكم وما توعدون»، فالأرزاق بيد الله وليست بيد الحركة الشعبية ولا أمريكا ولا الصهيونية العالمية التي تُواجه اليوم بكوارث اقتصادية وثورات شعبية. فإذا كان السودان ينتج الذهب منذ ما يزيد عن الثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، وعرف استخراج المعادن وصناعة الحديد وفلاحة الأرض مما استدعى العديد من الدول والشعوب لاستهداف هذا البلد الذي خصه الله بهذه الموارد التي لا تنضب من نيل يجري على الدوام وأمطار تهطل فتحيي الأرض وتنبت الزرع، فكانت الغزوات بحثاً عن الحبوب والذهب والرجال، وتشن عليه الحروب حتى عرف سكانه برماة الحدق من دقة التصويب وقوة المدافعة عن الحقوق، فإن ما تتعرض له بلادنا اليوم دون سائر بلاد ودول وشعوب المنطقة دليل قاطع على الدوافع والأهداف التي من أجلها تتهافت علينا الإمبراطوريات والمستعمرون الجدد. وبتوقيع هذه الاتفاقيات الصريحة الواضحة المعالم، تدخل بلادنا مرحلة جديدة تقنن خلالها عمليات التنقيب عن المعادن بكل أنواعها وفي وضح النهار وتحت مظلة قوانين الاستثمار والتجارة.. ولهذا يفترض أن يكون في علمنا مقدار الكنوز التي يتم استخراجها ومقدار ما يعود للخزينة العامة من أموال.. ثم يفترض هذا الوضع أن يوقف نزيف التهريب للخارج تحت حجة ضعف الأسعار بالداخل.. وطالما أن البنك المركزي سيكون المشتري الأول فإن على المسؤولين بالبنك واجب قراءة السوق بصورة جيدة وعلمية، فالتهريب لا يحدث إلا إذا كان هناك فارق في الأسعار ما بين الداخل والخارج.. فلا بد إذا من قراءة وإعادة قراءة دقيقة للأسعار وتقديم أسعار مجزية لوقف التهريب ومنعه.. وتحفيز المنقبين للتوجه نحو المركزي المؤسسة الوطنية، وبذا نستطيع أن نحقق دعوة الرئيس البشير بأن نعين المستثمرين، وألا نضع العراقيل أمامهم، وأن نحفزهم لكي نجذب رؤوس الأموال. ولنا عودة لبقية الثروات السودانية.