والأولى أن نبدأ بالتعليق هنا على أحداث اللعيت جار النبي والطويشة.. فقد قُتل فيها تسعة وعشرون مواطناً وجرح ستون. وفُقد عدد كبير من المواطنين. وفي هذا الوقت تقف حركة العدل والمساواة صاحبة الاتفاقية مع الحكومة على أبواب مكتب متابعة سلام دارفور المشغول حالياً بأحداث شمال دارفور آنفة الذكر، تشكو من تأني المكتب في تنفيذ كل بنود الاتفاقية. كنت أتوقع أن تبدأ حركة العدل والمساواة هذه بقيادة دبجو بإطلاق مبادرة بمشاركة قواته في إعادة الأمن والاستقرار في بعض المناطق الدارفورية التي ساء فيها الأمن لدرجة قصوى مثلما في اللعيت وطويشة وسرف عمرة. لأن السعي لاستكمال حالة السلام والاستقرار يعني أن الاتفاقية ذات قيمة عالية.. بدليل أنها أسهمت في إعادة الأمن في تلك المناطق. وحتى لو لم تستجب الحكومة لذلك فإن الحسنة الوطنية تحسب لصالح الحركة الموقعة معها الاتفاقية.. والتفاوض مع الحركات المتمردة والوصول الى اتفاقيات سلام أصلاً يكون من أجل أن تكون حياة المواطنين خالية من التوترات الأمنية. فكم اتفاقية تم التوقيع عليها حول أزمة دارفور منذ العام 2006م وحتى الآن؟!. فهل هذا يعني أن الحل ليس في التوقيع على الاتفاقيات أم يعني أن الحركات المتمردة التي لم توقع معقود على نواصي خيلها الأمن والاستقرار؟!. وإن كان يعني هذه الأخيرة فهذا ليس من صالح الحركات التي وقعت على اتفاقيات مع الدولة. لأنه يشعرها بأن توقيعاتها على الاتفاقيات المرجو منها إعادة الأمن والاستقرار لم تثمر، فهي عقيمة مثل نبات الموز الكاذب. وحتى إذا استجابت الحركات المتمردة التي لم توقع ومن وقعت على أبوجا وتراجعت إذا استجابت لنداء السلام من أجل أطفال وطلاب ونساء وشيوخ إقليم دارفور، فهل هناك ضمانات لقفل باب التمرد مستقبلاً؟!. ألم يظهر تمرد يحارب عبد الواحد وجبريل ومناوي وهم في السلطة كما حارب بعضهم بعض الموقعين على اتفاق سلام مع الحكومة؟!. يبدو أن الحل ليس في توقيع كل الحركات المتمردة الحالية على اتفاق سلام.. وبعد حركة أنانيا في جنوب السودان ظهرت أنانيا «2»، وبعدها ظهر تمرد القبائل النيلية بقيادة جون قرنق، والآن هناك تمرد الحركة الشعبية نفسها بقيادة عقار والحلو. ويعود عقار والحلو مرة أخرى، ويظهر من يحاربهم ويتمرد عليهم، وفي كل هذه الحالات تستمر معاناة المواطنين.. تستمر بوباء التمرد منذ الخمسينيات إلى اليوم. الحل إذن في إعادة بناء الدولة بصورة تقاوم مشاريع التآمر الغربية والصهيونية التي يدرس أصحابها المتآمرون كل حالات البلاد ليكتشفوا ثغراتها التي يمكن أن ينفذوا من خلالها إلى أمن واستقرار البلاد، فتتعطل التنمية والصناعة في وطن أغنى من معظم دول أوروبا في الموارد. والمشكلة الأكبر أن التمرد الذي كانت محور شعاراته في البداية المواطن، قد أصبح الآن على «المواطن» أسوأ من الدولة لو كانت بالفعل سيئة. فالدولة مثلاً تتحصل أموال الزكاة للفقراء والمساكين، فإذا بالمتمردين ينهبون مئات الملايين «بالقديم» من ديوان الزكاة والملايين من الجنيهات من بنك الأسرة كل هذا حدث في شمال دارفور مؤخراً. وبعد كل هذا أكثر ما يهم المتمردين هو تقلد المناصب واستلام الأموال كشروط لتوقيع أية اتفاقية مع الحكومة تفضي إلى وضعهم للسلاح. وهم يعلمون أن غيرهم يمكن أن يتمرد وتكون الحكومة هي الخاسر دائماً في مثل هذه اللعبات. إن الدولة السودانية تحتاج الى إعادة بناء حتى تتمكن من إجهاض أي تمرد في أيامه الأولى. لم تستوعب الأحزاب السياسية التي حكمت البلاد بعد رفع العلم السوداني الأول متطلبات مرحلة ما بعد الاستقلال في بلد يئن من ميراث التآمر البريطاني المتمثل في قانون المناطق المقفولة وغيره. لقد تصارعت الأحزاب وسلّم بعضها السلطة للجيش عام 1958م. وبعد ستة أعوام أعادت السلطة ثم فقدتها ثم أعادتها ثم فقدتها والآن تحاول إعادة جزء منها لأن كلها يبدو مستحيلاً. السودان إلى أين؟! هل إلى مشروع إعادة البناء؟!.