اطلعت في عدد هذه الصحيفة الصادر يوم الخميس الماضي 19 جمادى الأول 1435ه على مقال كتبه د. عبد الرحيم محيي الدين بعنوان: «الإخوان المسلمون.. ليتهم كانوا إرهابيين»!! «1» ونشر نفس هذا المقال بمنبر سودانيز أون لاين وجاء في افتتاحيته قوله: «في 11يونيو 2003م قُدم سؤال إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية برئاسة المرحوم الشيخ عبد العزيز بن باز ونائبه الشيخ عبد الرزاق عقيقي وعضوية الشيخين عبد الله بن قعود وعبد الله بن غديان، وكان السؤال عن أقرب الجماعات الإسلامية إلى الحق؟ وجاء السؤال إلى اللجنة تحت الرقم «6250» وكانت صيغة السؤال كالآتي: في العالم الإسلامي اليوم عدة فرق وطرق الصوفية، مثلاً: هنالك جماعة التبليغ، الإخوان المسلمين، السنيين، والشيعة، فما هي الجماعة التي تطبق كتاب الله وسنة رسوله «ص»؟. فجاء نص الجواب كالآتي: «أقرب الجماعات إلى الحق وأحرصها على تطبيقه: أهل السنة: وهم أهل الحديث، وجماعة أنصار السنة، ثم الإخوان المسلمين». انتهت الفتوى. وبما أن هنالك مستجدات قد طرأت على مستوى العصر والأصل مما حدا ببعض حكام الخليج إلى تغيير رؤاهم في ذلك فكان من الأجدى التركيز على تطرف وتعصب الوهابية التي تمثل الرجعية الدينية في قمتها والتخلف عن تحديات العصر ومقتضياته وانصرافها بصراعات تسعى من خلالها لضرب وحدة المسلمين من خلال هجومها على الصوفية وسعيها لارهاب وتكفير كل من خالفها وهي تمتلك آلة إعلامية وإرهابية خطيرة تصل الى درجة الإفتاء بالتكفير لخصومها ومن ثم إباحة دمائهم. أما جماعة الإخوان المسلمين المظلومة فهي تعيش محنة غير مسبوقة عبر تاريخها الطويل منذ أن أسسها الإمام الشهيد حسن البنا في مارس عام 1928م، إذ تكالبت عليها مخالب الصهيونية في زي إسلامي يرفده المال الذي يسيل له لعاب الساقطين من علماء البلاط والسلطان..».انتهى المقتبس. ولي مع هذا الكلام الوقفات التالية: الأولى: قال الكاتب: «في 11يونيو2003م قُدم سؤال إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية برئاسة المرحوم الشيخ عبد العزيز بن باز ونائبه الشيخ عبد الرزاق عقيقي» أ. ه .. قلتُ : في عام 2003م كان الشيخ عبد العزيز بن باز ليس حياً موجوداً في دنيانا! فقد كانت وفاته رحمه الله عام 1999م في شهر مايو.. وأما الشيخ عبد الرزاق «عفيفي» «بالفاء» وليس «عقيقي» «بالقاف» كما كتب الكاتب!! فقد توفي قبل وفاة الشيخ عبد العزيز بسنوات عديدة وتحديداً في شهر سبتمبر عام 1994م أي قبل تسع سنوات من التأريخ الذي أتانا به الكاتب !!! وعليه فيكون هناك ضعف علمي كبير وواضح في المعرفة المتعلقة بعرض الفتوى طالما أن الناقل يخطئ في النقل في نقاط أساسية كهذه مثل تأريخها وأسماء المفتين!! وعليه فيرجى من الكاتب أن يصحح المعلومات المغلوطة التي نشرها، ويرجع للمصادر «الموثوقة» التي نشرت هذه الفتوى، خاصة وقد وصف الكاتبُ نفسه للقارئ وقدمها بقوله: «ونحن كباحثين وأكاديميين». الثانية: يقال: إن «المفتي أسير المستفتي».. فالفتوى أجابت بعبارة «أقرب» وهذه كلمة لها مدلولها في هذه الفتوى، الأمر الآخر أن الفتوى انطلقت في ترتيبها لهذه الجماعات بناءً على أنها المذكورة في نص السؤال. فالسائل سأل سؤالاً وسمّى جماعات وطرقا وفِرَقا محدّدة في السؤال، فكان الجواب بأن أقربها إلى الحق هو كذا ثم كذا.. ففرقٌ كبير جداً يدركه كلُّ عاقل بين قول: «هذه الجماعة على الحق» وقول: «هذه الجماعة بعد كذا أقرب للحق» خاصة وفي السؤال الاستفسار عن الشيعة!! وما أدراك ما الشيعة!! فالإخوان المسلمون أقرب إلى الحق من الشيعة الرافضة، هذا كلام يقال في ما مضى وفي ما سيأتي طالما الواقع هو المعروف الآن، وإن تشيّع بعض المنتسبين لجماعة الإخوان أو أن في عبارات بعض مؤسسيها التساهل في التقارب بين السنة والشيعة إلا أن كثيرين جداً من الإخوان يدركون خطورة الرافضة وآخرون من الإخوان انتبهوا لخطرهم وأصبحوا في بلاد كثيرة يقودون حملات التحذير من الشيعة.. وبمثل ذلك يقال: إن النصارى بكفرهم فرق بينهم وبين المجوس، فكلهم كفار؛ لكنَّ كفر المجوس أغلظ من كفر النصارى.. وهذه حقيقة واضحة عند عامة أهل السنة.. الثالثة: طالما الكاتب يريد أن ينقد موقفاً ويقارنه بفتوى وهو يصف نفسه بالباحث الأكاديمي كان عليه أن يتنبه إلى قضية معلومة مشهورة معروفة تبيِّن أن : الفتوى في «بعض القضايا» تتغير؛ ليس للهوى أو للسياسة وإنما بناء على تغير أحوال في ما يعيشه الناس، أو تغير أحوال الناس، أو بحسب ما يظهر في علم المفتي ويبدو، وهذا باب مؤصّلٌ في علم أصول الفقه وفيه كتب مفردة مستقلة مؤلفة فيه، قال العلّامة ابن القيم في كتابه القيّم «أعلام الموقعين»: «فصل في تغير الفتوى واختلافها يحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد، بناء الشريعة على مصالح العباد في المعاش والمعاد: هذا فصل عظيم النفع جدا وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة..» وبيّن في هذا الفصل معالم هذه القاعدة. وإن الأحكام الكلية الثابتة لأفعال المكلفين لا تتغير بتغير الزمان أو المكان كالواجبات والفرائض والمحرمات وما ورد في الحلال والحرام.. وإنما الذي يتغير ما يتعلق بأحوال النازلة بالمسلمين زماناً ومكاناً وأشخاصاً.. وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يفتي السائل عن أفضل الأعمال بما يتناسب مع السائل، فقد تنوّع الجواب بناء على اختلاف السائلين، وتجوز القبلة للصائم الذي يملك إربه ولا تجوز لمن ليس كذلك، وفي قضايا الطلاق بالثلاث وأخذ الأجر على تعليم القرآن، وغيرهما نماذج لتغير الفتوى .. وقد تتغير الفتوى بناءً على ما يظهر للمفتي، فقد يفتي المفتي بفتوى ثم يرجع عنها بناء على ما ظهر له من العلم، وحتى القاضي يطرأ له ذلك، وقد وقع ذلك للصحابة الكرام، كما في المسألة المشتهرة في الفرائض بالمُشرَّكة أو اليميّة أو الحجريّة، فقد مُنِعَ الإخوة الأشقاء في المسألة الأولى من الميراث حيث استنفدت الفروض التركة وورثوا في القضاء الثاني بناء على النظر للمعنى وهو أنهم أقرب للميت من الإخوة لأم الذين ورثوا الثلث فرضاً وهم يرثون بالتعصيب فشاركوهم في القضاء الثاني.. وعليه فكان الحري بالكاتب قبل نثر كلماته أن يبحث عن موقف هؤلاء العلماء في جماعة الإخوان المسلمين في غير هذه الفتوى وقد توفوا جميعاً ولهم فتاوى مفردة مفصّلة يعرف بها تقييمهم للجماعة ونقدهم المفصّل لها، أو يبحث في تغير موقف الدولة السعودية من جماعة الإخوان المسلمين وقد آوتهم في السابق وفتحت لهم بلادها وشفعت في كثير منهم لدى عبد الناصر ليقف على المستجدات في ذلك.. وإذا أنصف الكاتب وعلم أن الفتوى قد تتغير وهذا إذا اطلعنا على فتوى تناقض فتوى العلماء التي أوردها!! والحال أننا لم نر في الموقف المعلن حالياً من السعودية والفتوى التي أوردها الكاتب تناقضاً.. فقول «أقرب» لا يعني أنها على الحق وليست هي تزكية مطلقة لها.. كما أنه قد تكون هناك مستجدات في جماعة الإخوان المسلمين ُبني عليها الموقف ، ولا يتناقض ذلك مع الفتوى ، فكان على الكاتب أن يسأل قبل الكتابة ويجيب على التساؤلات التي ذكرت بعضها هنا كنماذج لما يورد في هذا الباب ، ولا يخفى أني هنا أشير فقط إلى قضايا علمية منهجية في الطريقة الصحيحة لنقد المواقف أو الفتاوى دون الدخول في تفاصيل وحيثيات القضية. الرابعة: قال الكاتب: «فكان من الأجدى التركيز على تطرف وتعصب الوهابية التي تمثل الرجعية الدينية في قمتها والتخلف عن تحديات العصر ومقتضياته وانصرافها بصراعات تسعى من خلالها لضرب وحدة المسلمين من خلال هجومها على الصوفية وسعيها لإرهاب وتكفير كل من خالفها».. قلتُ: هذا مما يريد د. عبد الرحيم محيي الدين الوصول إليه؛ الطعن في السلفيين!! ومحاولته «يائسة» و«مكشوفة» في إبراز دفاعه عن «جماعة الإخوان المسلمين» وعن «الصوفية» وفي المقابل الطعن بالباطل في «السلفيين» الذين يصفهم بالوهابية.. فإن كثيراً من دعاة التشيّع ومن يروجون أو يزينون للرافضة يروْن أن من طرق كسبهم الدخول على عامة الناس بهذا المدخل وهو إبراز العداوة بين مجتمع أهل السنة «العام» في ما يقابل «الشيعة».. فأقول للكاتب د. عبد الرحيم: إن هذا الطريق معروف ومكشوف وإن عامة أهل السنة بينهم من الخلاف الكبير في الماضي والحاضر وبينهم الردود والمناقشات العلمية والمناظرات وغير ذلك فهم في سجال؛ لكنَّ عامّة أهل السنة عندهم: القرآن الكريم خط أحمر، والصحابة الكرام وعدالتهم خط أحمر، وزوجات النبي أمهات المؤمنين خط أحمر، وأبو بكر وعمر وعثمان خط أحمر، والتابعون وتابع التابعين خط أحمر، والأئمة الأربعة وإخوانهم من علماء الإسلام خط أحمر، والصحيحان البخاري ومسلم وكتب السنن والمسانيد والصحاح خط أحمر، هذه وغيرها من الثوابت خطوط حمراء؛ يلتقي فيها عامة أهل السنة ولا يقبلون ما يقول الرافضة فيها.. فعلى الكاتب عبد الرحيم أن يدرك أن أهل السنة في انتباه لهذا الأمر، فهم يختلفون في ما بينهم لكنهم جميعاً لا يقبلون الدعوة الرافضية وقد كان في استتابة النيل أبو قرون أناس من جماعة الإخوان المسلمين ومن غيرهم من الطوائف.. وأتعجب أن الكاتب أورد في مقاله مجموعة من الإخوان المسلمين يثني عليهم وهم يحذرون من الشيعة كجعفر شيخ إدريس وغيره بل حتى القرضاوي الذي أورد الكاتب اسمه وصورته قال أخيراً لقد كان علماء السعودية علموا عن حزب الله ما كنت أجهله وإني أوافقهم في موقفهم بعدما تبين لي صحة ما قالوا.. فهل الكاتب سيقبل كلام هؤلاء الذين ذكرهم وغيرهم في الشيعة؟! وبالإمكان إيراد كلام كثير لمن أورد الكاتب أسماءهم في ذم التشيع والتحذير منه لأؤكد له أن دخوله بهذا الطريق من الأمور المكشوفة والواضحة.وفي المقابل هل وقف الكاتب على تكفير جماعة من الشيعة للصوفية؟! أما «السلفيون» فهم في مجتمعنا يعيشون فيه بكل مستوياته في الوظائف والمساجد والمدارس والجامعات والأسواق قبلهم الناس وقبلوا دعوتهم؛ وهم أبعد الناس عن جماعات الغلو والإرهاب والتكفير، ولو كان الكاتب منصفاً لأدرك ذلك، ولو كان منصفاً لأدرك كذلك المؤتمرات والكتب والبحوث والمقررات الدراسية التي قامت وصدرت بالسعودية في محاربة التكفير والغلو والإرهاب، وللعلم أن السعودية من أكثر البلاد التي ابتليت بأذى الجماعات التكفيرية، ولو كان الكاتب منصفاً لحذر من مذهب الشيعة الرافضة الذي يكفّر في كتبه الأصيلة كل الصحابة إلا القليل ويكفر أبا بكر وعمر ويكفر كل من رضي بأبي بكر وعمر؛ فهو أكبر مذهب تكفيري يهوى التكفير العام للأمة من يوم السقيفة وبالجملة؛ ويتلذذ باللعن الذي كان من آخر ما سمعناه ووردنا منهم لعن المدعو ياسر الحبيب لرئيس بلادنا حفظه الله ورعاه..