لقد ظلت مشكلة «حلايب» منذ العام 1958م من أبرز القضايا الحدودية العالقة بين السودان ومصر وواحدة من أكبر المهددات التي يمكن أن تواجه تطور العلاقات بين البلدين وليست هناك مشكلة تؤرق القيادة السياسية في البلدين سوى مصير حلايب. وقد فشلت كل المساعي التي بذلت هنا في الخرطوم لإعادة الحق السوداني لأهله وذلك لأن الجانب المصري استفاد أيما استفادة من تجربته مع المحكمة الدولية والتي أمرت بإعادة «طابا» إلى السيادة المصرية وبسبب هذه الخبرة في أروقة المحكمة الدولية ظلت حكومة القاهرة تمارس سياسة تمصير الواقع المحلي بمثلث حلايب وذلك بالتوسع في بناء المقار الحكومية والمدارس وتدريس مواد من التاريخ والجغرافيا تشير معظم خرائطها الجغرافية إلى وضع «حلايب» داخل الحدود المصرية والمؤسف أن تلاميذ وطلاب هذه المدارس هم من أبناء البجا «البشاريين» ومكمن الخطورة في هذا المنهج أنه يمسح من ذاكرة هؤلاء الصغار الارتباط بالسودان دولة وشعباً ثم تبدأ بقية حلقات التمصير حيث يتم استيعاب هؤلاء الطلاب في الجامعات والمعاهد العليا تحت اسم طلاب من محافظة البحر الأحمر المصرية وهنا قد يقول بعضكم إن حكومة الخرطوم هي المسئولة عن هذا الإختراق ولهؤلاء نقول ليست هي الحكومة الاتحادية أو الولائية وإنما المسئول الأول عن ضياع «حلايب» كحق سوداني أصيل هم ممن اتخذ من قضية «حلايب» موضوعاً لابتزاز الحكومة الاتحادية في الخرطوم والأدهى والأمر أنهم يمارسون ذات الابتزاز في مائدة السلطات المصرية. وأذكر بهذه المناسبة قصة مؤلمة وفي غاية الاستخفاف بقيمة تراب هذا الوطن بل توضح هذه القصة من هم الذين تسببوا في ضياع حقنا السيادي في تراب «حلايب»، المهم «نخش في القصة» لأنها بصريح العبارة «تفقع المرارة» فقد ذهب حاكم الإقليم الشرقي في العهد المايوي وبالتحديد في نهاية سبعينات القرن الماضي برفقة وفد من الاتحاد الاشتراكي وذلك بغرض تفقد المواطنين في تلك المنطقة وإجراء بعض الترتيبات الإدارية والتي أوصى الرئيس الراحل جعفر نميري بإنفاذها في «حلايب» وحين وصل وفد الحاكم إلى المنطقة بدأ برنامج الزيارة بتفقد مدارس المنطقة والإلتقاء بقيادات وأعيان المنطقة وهو اللقاء أو «القشة» التي قصمت ظهر البعير فقد وقف مندوب من الأعيان ليقول لحاكم الإقليم الشرقي وبلهجة «البداويت» وهي اللهجة التي تتحدث بها معظم قبائل البجا «سعيكم مشكور فنحن هنا ننعم بخدمات لا نود أن نفقدها» قالها بلهجة «البداويت» حتى لا يفهم معلمو المدارس وأغلبهم من المصريين المعنى الحقيقي لهذه العبارة ومن يومها أضحت قضية «حلايب» مشروعاً مثمراً لمن يمارسون الابتزاز باسمها وهذه جريمة ينبغي ألا تمر هكذ لأن «حلايب» سودانية قبل أن تكون «بجاوية» أو «بشارية» صحيح أنها منطقة من مناطق التوالد الطبيعي لقبائل البشاريين ولكن هذه الميزة لا تمنح حق السكوت عن الممارسات التي تقوم بها الإدارة المصرية في مثلث «حلايب» وأنا حين أقول هذا لا أقدح في وطنية رجال أعزهم من هذه القبيلة وعلى رأسهم ناظر عموم قبائل البشاريين ثم أولاد المرحوم اللواء طيار/ محمد عثمان حامد كرار ثم هناك الصديق الأكبر «نافع إبراهيم» وأعلم أنهم يشاطرونني الأسى في الذي يجري هناك ولكن ماذا نقول في أشخاص آخرين ممن أعماهم حب المال عن معرفة قيمة تراب هذا الوطن ألا توجد جهة رسمية أو شعبية تردع أو تدين مثل هذا المسلك؟ ونختم بالقول: استحوا لأن «حلايب» ليست للبيع.. بل هي آخر كلمة قالها الشاعر «تراب وطني» ثم مات؟