لا يمكن أن يكون التعامل مع إسرائيل وهي تتآمر على البلاد كمثله مع الدول الأخرى التي ليست قائمة على بلدان الغير، فإسرائيل لا تتعامل بعقيدة «دفاعية» لنَقُل إن تفادي تآمرها على البلاد هين، فإذا لم يعتد عليها أحد، لن تعتدي هي، وستوفر وقتها ومالها وأرواح جنودها، لكن حينما تكون عقيدتها «هجومية» بحيث تسعى بها لإنجاز مشروعاتها الاحتلالية التوسعية ومع ذلك تحاول الإيقاع بين الدول العربية، دول الطوق الذي أصبح ناعماً، وغيرها مثل السودان، فهذا يعني صعوبة تفادي مؤامراتها، وأن خط الدفاع هنا لصد تآمرها هو جهاز الاستخبارات العسكرية والمباحث الجنائية وجهاز الأمن. فنسمع أو نقرأ في الأخبار مثل ما أوردت أمس هذه الصحيفة التي أظن أن إسرائيل تعرفها كما يعرفها الكونجرس الأمريكي خادم مشروع الاحتلال الإسرائيلي ومحضن اللوبي الصهيوني. تقول «الإنتباهة» أمس في خبرها الأول: «تمكنت الأجهزة الأمنية من إلقاء القبض على أحد أهم عناصر شبكة تجسس إسرائيلية في ولاية البحر الأحمر، وهو المتورط الرئيس في حادثتي ««البرادو» و«السوناتا» فضلاً عن الغارات الإسرائيلية المختلفة التي حدثت بالمنطقة الشرقية في ذات الأثناء. إذن كانت وتظل متابعة الأنشطة التجسسية للكيان اليهودي في فلسطين التي تعتمد العقيدة العسكرية الهجومية، هي واجب الدولة في التعامل مع دولة تهاجم ولا تدافع. وإسرائيل نفسها حتى في مسألة دعمها لأية جهة فهي لا تدعم من تدافع عن نفسها بل من تهاجم غيرها. هل دافعت إسرائيل أو دعمت دفاع السود في جنوب إفريقيا قبل التحرر والانعتاق من الرجل الأبيض المحتل؟ كلا.. لقد كانت تدعم هذا الرجل الأبيض لأنه هو الذي فتح لها المجال لاحتلال فلسطين، نقل لها احتلال فلسطين من الانتداب البريطاني وعدها بدولة في بلاد الغير من خلال وعد بلفور. ثم أن إسرائيل إذا كانت تستعين بخونة على غرار من باع الأمير «عثمان دقنة» حاكم الإقليم الشرقي في عهد الدولة المهدية، فالآن أيضاً انظر إلى ياسر عرمان الذي يبيع قضية أبناء النوبة والنيل الأزرق وهو يعيق استمرار التفاوض لصالحهم، لتستمر معاناتهم التي يتابعها عرمان وصحبه وهم في فندق خمس نجوم. ومَنْ تم القبض عليهم إذا أدينوا بالفعل فهم ليسوا أسوأ من عرمان، يبقى الحذر مطلوباً من كل ما قد يكون له ارتباط بالمشروعات الصهونية التآمرية في إفريقيا، وحتى استقطاب الاستثمار الأمريكي ينبغي أن يمر بغربال الأجهزة الأمنية، حتى نضمن أن المستثمرين الأمريكان ليسوا من اليهود على الأقل، وإن كان هذا لا يعني بالضرورة تعاملهم معهم إذا لم يكونوا يهوداً. وكان قد جاء في أخبار أمس الأول الصحفية أن وزير الاستثمار وأمين العلاقات الخارجية بالمؤتمر الوطني دكتور مصطفى عثمان إسماعيل لقي بمكتبه مدير عام مؤسسة التنمية الغذائية العالمية بولاية تكساس الأمريكية رجل الأعمال «برنت كتشنر» ونتمنى أن يكون عكس «كتشنر» قائد احتلال السودان «8981م»، وطبعاً بحثا فرص الاستثمار المتاحة في السودان، ولا بد أن يعمل ليكون المتاح هو فرص الاستثمار وليس فرص «التآمر» و«التجسس» التي تغتنمها الدولة الهجومية إسرائيل. وليت إضافة وزارة الاستثمار المناطق التي تريد أن تهيئها للاستثمار الأمريكي إضافة إلى نهر النيل وولاية الخرطوم «غرب أم درمان» تضيف بعض مناطق الشرق مثل «حلايب» وطبعاً استثمار أمريكي في حلايب لا يتعرض لتهور مصري. وكان السادات قبل اغتياله يقول: «أنا لا أستطيع أن أحارب أمريكا، و«99%» من الأوراق في يد أمريكا». وكان يقصد بالأوراق قضية الحرب مع إسرائيل. إذن يحتاج إلى توفير فرص الاستثمار الأمريكي ولو في زراعة البن أو السياحة. وإذا رغبت المؤسسة الأمريكية في زراعة خمسة وسبعين ألف فدان في البلاد، فهذا يعني أنها ستعوض عن بعض عجز مشروع الجزيرة. نريد تطبيع علاقات استثمارية مع أمريكا وهذا يكفي، أما التطبيع السياسي فيكفي له وجود بعثة أمريكية لا يسعها أن تغادر السودان حتى بعد مقتل قرانفيل.